فضائح مثيرة تورط فيها أمنيون ودركيون وجمركيون بمناطق الشمال

فضائح مثيرة تورط فيها أمنيون ودركيون وجمركيون بمناطق الشمال

(تقرير)

3 مارس, 2018

عاشت مدن الشمال، خلال السنوات الأخيرة، على وقع فضائح من العيار الثقيل، خاصة بمدينة طنجة والمعابر الحدودية المتاخمة لها، البرية والبحرية والجوية، التي شهدت عمليات مثيرة تقمص فيها دور البطولة أمنيون ودركيون وجمركيون وعناصر من القوات المساعدة، بعد أن نسجوا علاقات مشبوهة مع شبكات إجرامية تنشط في التهريب الدولي للمخدرات والهجرة السرية من الشمال المغربي في اتجاه اسبانيا، وكذا شبكات متخصصة في تسهيل عمليات استيراد سلع مشبوهة عبر التواطؤ والإمساك عن القيام بالمراقبة وتطبيق القانون.

ولكون المنطقة الشمالية من المملكة تعتبر قاعدة ثابتة لتهريب الحشيش نحو الضفة الشمالية من المتوسط، ومعبرا استراتيجيا لتهريب السلع والبشر، فإنها شهدت طيلة السنوات الفارطة أحداثا مثيرة تحول فيها عناصر ممن يفترض أنها تمثل الدولة ومصالحها وترتدي زيها الرسمي وتتقاضى أجورا وتعويضات، إلى موظفين ومستخدمين وحراس مخلصين لأشخاص خارجين عن القانون، حيث تعمل على توفير الحماية اللازمة لبارونات المخدرات وزعماء شبكات التهريب الدولي والهجرة السرية، وتتستر على أنشطتهم غير القانونية بتوفير المعلومات الضرورية لهم من أجل تسهيل تنقلاتهم وتهريب بضاعتهم المشبوهة. 

فضائح كثيرة وحكايات مختلفة شابتها اختلالات وخروقات حدثت بمدن الشمال، أعقبتها زيارات متتالية قامت بها للمنطقة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ولجن مركزية تابعة لإدارة الجمارك، حيث أسفرت نتائجها عن اعتقالات وإحالات وتوقيفات طالت متورطين جمركيين وأمنيين من رتب مختلفة، بالإضافة إلى عناصر من أجهزة الرقابة الأخرى.

 فضيحة تهريب 48 طن من “الشيرا”

تفجرت هذه الفضيحة، التي تعتبر الأكبر من نوعها بين ضفتي المتوسط، بعد أن تمكنت عناصر الحرس المدني بالجزيرة الخضراء (جنوب اسبانيا)، بواسطة كلابها المدربة، من  حجز كمية من المخدرات فاق وزنها 48 طنا من مادة “الشيرا”، التي جرى ضبطها في عمليتين متفرقتين، على متن شاحنتين مرقمتين بالمغرب عبرتا المضيق انطلاقا من ميناء طنجة المتوسط، لتقوم السلطات الأمنية الاسبانية باعتقال السائقين، وهما معا مغربيين الجنسية، ووضعتهما بالسجن للتحقيق معهما في الموضوع.

وعلى إثره، تنقلت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للميناء المتوسطي، وفتحت تحقيقا في الواقعة، واطلعت على مجموعة من الشرائط المسجلة عبر كاميرات المراقبة، وكذا الوثائق والملفات والأختام التي استعملها المهربون لتسريب المخدرات المحجوزة، قبل أن يمروا إلى مرحلة الاستماع لعدد من المسؤولين حول طريقة عمل كافة المتدخلين داخل الميناء، وتحديد مسؤوليات العناصر التابعة لهم.

ومن بين الأسماء التي استمع لها ضباط الفرقة الوطنية، ثلاثة مسؤولين جمركيين، ويتعلق الأمر بنائب المدير الجهوي المكلف بالصادرات، وقائدي سريتين تابعتين للجمارك بنفس الميناء، بالإضافة للمدير العام للوكالة الخاصة لتسيير الميناء المتوسطي، الذي قدم شروحات حول المسؤوليات المنوطة بالوكالة داخل الميناء، وحدود تدخلها وعلاقتها بالمصالح الأمنية والجمركية. 

وبعد أسبوعين من التحريات، استقر المحققون على تحميل المسؤولية لجمركيين يعملان بمستودع الاستيراد والإبحار، بعد أن حققت معهما عناصر الفرقة الوطنية لأزيد من عشر ساعات، وتبين لها أنهما “قصرا” في عملهما أثناء مرور الشاحنتين المحملتين بالمخدرات المسربة، ليتم إيداعهما السجن المحلي “سات فيلاج” وعرضهما على العدالة.

تواطؤ لتسريب أطنان من السلع المهربة

قضية أخرى لا تخلو من عناصر الإثارة، وتتعلق بالتستر على تسريب أطنان من السلع المهربة، وتسهيل عبورها عبر المنطقة الجمركية دون إخضاعها للتفتيش أو التعشير.

واكتشف أمر هذه العمليات، بعد أن ضبطت المصالح الأمنية شاحنة للنقل الدولي مرقمة بالمغرب، كانت قادمة من اسبانيا في اتجاه الأراضي المغربية وهي محملة بشحنة هامة من المواد غير المصرح بها، وتتكون من 13 طنا من الثوب الرفيع، ومجموعة من اللوحات الإلكترونية “طابليط”، بالإضافة إلى عشرات من العجلات المستعملة، وذلك بعد أن أنهى السائق كل مساطر العبور عبر المنطقة الجمركية.

وعلى إثر ذلك، جرى إيقاف كل من سائق الشاحنة ومالكها، حيث أبان التحقيق معهما على أن هذه العملية لم تكن الأولى من نوعها التي يقومان بها عبر الميناء المتوسطي، وأن هناك شركات محلية متعددة تقوم بإدخال بضائع أجنبية إلى التراب المغرب دون التصريح بها، وتعمل على ترويجها داخل الأسواق المحلية بطرق غير شرعية ودون أن تتوفر على أي سند قانوني.

مواصلة التحريات أفضت إلى إيقاف أربعة متهمين آخرين يعملون في نفس المجال، ويتعلق الأمر بسائق شاحنة أخرى ومعشر ووسيطين، الذين أكدوا، خلال البحث معهم، أنهم يلجؤون إلى استعمال خطط تدليسية لإدخال بضائع يجلبونها من دول أوربية مختلفة بتواطؤ جمركيين يعملون على تسهيل عملية عبور هذه الشاحنات دون إخضاعها للتدابير الجمركية  المعمول بها في هذا المجال، وذلك بغض الطرف عن حمولة الشاحنات واعتبارها فارغة رغم علمهم اليقين على أنها تحتوي على كميات هائلة من البضائع الأجنبية، مصرحين باسم أحد العناصر الجمركية، الذي تم اعتقاله وإحالته رفقة المتهمين الستة على أنظار وكيل الملك لدى ابتدائية طنجة، الذي أمر بإيداعهم السجن المحلي “ساتفيلاج”، لمتابعتهم بما نسب إليهم من تهم.

 فضائح مطار ابن بطوطة بطنجة 

مطار ابن بطوطة الدولي بطنجة، شهد هو الآخر، في السنوات الأخيرة، عدة حوادث مليئة بالإثارة والتشويق، ومن بينها محاولة تهريب 150 كلغ من مخدر “الشيرا” نحو بلجيكا، التي كان وراءها دركي يشتغل بالمطار ذاته، ومستخدمين اثنين مكلفين بنقل البضائع وشحنها في الطائرات قبل إقلاعها.

ووفقا للمحاضر المنجزة بخصوص هذه القضية، فإن الكمية المحجوزة، التي تم ضبطها داخل حقيبة يدوية، جرى اكتشافها من قبل فرقة الكلاب المدربة التابعة للدرك الملكي، بعد أن تجاوزت كل الإجراءات الأمنية والجمركية واستقرت فوق أرضية المطار، وشككت الفرقة في محتوياتها، حيث قامت بفتحتها لتعثر بداخلها على صفائح من الحشيش المغربي المستخلص من عشبة “قنب الهندي”.

وكشفت التحقيقات، التي باشرتها المصالح الولائية للأمن بطنجة، مستعينة بتسجيلات كاميرات المراقبة المثبتة في كل المدرجات والمرافق التابعة للمطار، التي أظهرت بشكل واضح أن مستخدمين يعملان لفائدة شركة الخطوط الملكية المغربية، حملا الحقيبة إلى داخل المطار وعملا على دسها بين الحقائب التي كانت في طريقها إلى الشحن بإحدى الطائرات المتوجة إلى بلجيكا، ليتم إيقافها على الفور.

المتهمان اعترفا خلال استنطاقهما من قبل الشرطة القضائية بكل المنسوب إليهما، مبرزين أنهما قاما بعدد من العملية المماثلة لفائدة شركاء أوربيين، مبرزين أنهما يعتمدان على مساعدات عنصر دركي يعمل هو كذلك في نفس المطار، الذي كان يتكفل بإحضار المخدرات إلى داخل المطار على متن سيارة “جيب” تابعة لمصلحة الدرك الملكي بطنجة، وهي الاعترافات التي سرعت بإيقاف الدركي المعني، ليتم تقديمهم جميعا إمام العدالة.

وبالرغم من المجهودات التي تقوم بها فرق البحث للكشف عن الحقيقة، إلا أن العارفين بخبايا هذه الأمور، يرون أن الطريق الذي سلكته التحقيقات، لم يتناسب مع حجم الخطورة التي شكلتها هذه العمليات، وأن أغلب الأسماء التي تم اعتقالها يمكن وصفهم بمتهمين الدرجة الثالثة أو الرابعة، لكونهم مجرد واجهة لأسماء خلف الستار من الوزن الثقيل، وهو ما يثير تساؤلات متعددة عما إذا كان الأمر مجرد حلقة في سلسلة طويلة لنشاطات مشبوهة، التي لا أحد يعرف بدايتها ولا نهايتها.. ولا أحد يتكهن بتداعياتها ومخاطرها على البلد ومستقبله.

المختار الرمشي (الصباح)

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*