تشكل جل الأسواق في مدن شمال، تطوان، طنجة، الفنيدق، القصر الكبير… مراكز تجارية مهمة تقترن دائما بتجارة السلع المهربة القادمة من مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، إذ أصبح لزاما على كل راغب في السفر إليها، أن يضع في برنامجه وقتا لزيارتها واقتناء بعض المواد الغذائية والألبسة لنفسه وأسرته وأصدقائه…
من بين هذه الأسواق نجد السوق الشهير “كاسبراطا” في مدينة طنجة، الذي يعتبر أكبر مركز تجاري بالمنطقة، نظرا لما يحتويه من بضائع جديدة ومستعملة تأتيه من كل حدب وصوب، إذ بمجرد أن تلجه قدماك تصادفك منتوجات وسلع كثيرة ومتنوعة (مواد غذائية، ألبسة، إلكترومنزليات، مستلزمات السيارات وغيرها من البضائع…) فقط عليك أن تختار بين مواد إسبانية مهربة ومنتوجات وطنية، المقياس الوحيد هنا هو الثمن والجودة والماركة العالمية التي تميز كل منتوج.
هذا التجمع التجاري «الممتاز»، الذي يضم مئات الدكاكين والمستودعات المكدسة بمواد مهربة أغلبيتها مجهولة الهوية، هو عالم متكامل في حد ذاته، له طابع وقانون خاص، إذ يمكنك أن تشتري فيه ما تريد وتبيع ما تريد أيضا، ما جعله قبلة لكل الراغبين في الاستفادة من امتيازات هذه المنطقة «الحرة»، التي تستقبل يوميا آلاف الزوار من بينهم شخصيات نافذة ومسؤولون مافتئوا يرتادونه لقضاء حاجياتهم ومآربهم الخاصة.
فإذا كانت السلع المهربة يكاد لا يخلو منها أي سوق أو محل تجاري في المغرب، فإن سوق «كاسبراطا» في طنجة له خصوصية تميزه.. لأن جل السلع والمواد المتوافرة فيه معفية من الضرائب، لكونها استوردت بطرق غير مشروعة ولا تخضع لأية مراقبة، لذا، ينصحك الجميع بزيارته، لأنك ستجد فيه كل ما قد يخطر بالبال وبأقل الأثمان.
منتجات مهربة بأسعار رخيصة
عدد من تجار السوق أكدوا أن اختيارهم الاتجار في السلع الإسبانية والصينية المهربة من مدينتي سبتة ومليلية السليبتين ليس تفضيلا لها على نظيرتها المغربية، بل إن ذلك يعود إلى الإقبال الكبير عليها من قبل الزبناء بسبب جودتها وانخفاض ثمنها، بالإضافة إلى هامش الربح المحقق، مبرزين أن سلعا مهربة يقل ثمنها مابين 20 و40 في المائة عن المنتوجات المحلية، مما يدفع المستهلك المغربي إلى الإقبال على شرائها، وعادة ما يكون مصدرها اسبانيا وفرنسا وايطاليا والصين وتركيا والجزائر.
يقول (ع.س) صاحب محل لبيع المواد الغذائية بسوق «كاسبراطا» إن «الزبناء يقبلون على شراء هذه المنتجات، سواء الغذائية أو غيرها، نظرا لأنها لا تتوفر في أسواق ومتاجر أخرى، وهو عكس ما يروجه البعض أنها رخيصة وغير صحية أو منتهية الصلاحية، فأخلاقنا وخوفنا من عقاب الله لا يسمح لنا بعرض أي منتوج إلا بعد أن نتأكد من سلامته وجودته، وذلك لكسب ثقة الزبناء، الذين أصبحت أمعاؤهم لا تقبل سوى السلع الإسبانية المهربة، والدليل عدم إقبالهم على المراكز التجارية الممتازة، التي أحدثت أخيرا بالمدينة كـ “مرجان” و”أسيما” وغيرهما…
مواد تفتقر للجودة والسلامة الصحية
على عكس ذلك، حذر عدد من المواطنين من استعمال هذه المواد، التي لا تتوفر أغلبيتها على بيانات مرجعية تخص المصدر المنتج وتاريخ الصلاحية، وتفتقر كذلك إلى الكثير من عناصر الجودة والسلامة الصحية، نظرا لأنها تخزن في ظروف لا تستجيب لأية معايير صحية وتعرض في أماكن غير محفوظة وملائمة، إما تحت أشعة الشمس طوال النهار أو بجوار مساحيق الغسيل ومبيدات الحشرات السامة، الشيء الذي يجعلها تتعرض للفساد وتهدد صحة المستهلك وحياته، مطالبين في الوقت نفسه الجهات الرسمية والسلطات المحلية بضرورة تكثيف المراقبة على هذه المحلات، التي لا تتوفر على شروط التخزين والعرض، وفرض عقوبات على التجار الذين لا يترددون في الاتجار بصحة المواطنين الذين يغيب عندهم الوعي الاستهلاكي ويقبلون بكثافة على استهلاك هذه المواد المضرة.
عبد الحق.ب، أستاذ بثانوية في طنجة، أبدى استغرابه الشديد من كيفية دخول مثل هذه المنتجات إلى الأسواق المغربية، معتبرا ذلك استخفافا واستهتارا بصحة المواطنين، لاسيما أنها تعرض في أسواق عمومية وفي كثير من المتاجر الكبيرة التي تصنف نفسها ضمن الأسواق الممتازة، مشيرا إلى أن ذلك يؤكد التواطؤ والإصرار على دعم بعض اللوبيات الإسبانية والمغربية، التي تعمل على إغراق السوق المغربية بمثل هذه المنتوجات، التي يكون تاريخ صلاحيتها قد انتهى أو أن بعض مكوناتها لا يسمح بتوزيعها واستهلاكها في الأسواق الإسبانية.
وقال الاستاذ “يبدو أن هذه الظاهرة ستظل مستمرة إذا لم تتضافر جهود جميع المصالح المعنية، بما فيها الجمارك والأمن وأجهزة الرقابة في وزارة الصحة والتجارة وغيرها، إضافة إلى دعوة وسائل الإعلام بمختلف أنواعها للقيام بمهامها في توعية المواطنين بخطورة هذه المواد الضارة، التي تهدد صحتهم وحياتهم، على اعتبار أن ضمان السلامة والجودة في الغذاء وغيره مسؤولية وطنية في الأصل”.
بوادر تراجع الظاهرة
كل المعطيات التي استقتها “الشمال بريس” تؤكد أن المنتوجات الداخلية أصبحت تجد لنفسها مكانا بين السلع المهربة، وذلك باعتراف تجار السوق، الذين أكدوا أن انخفاض الرواج فاقت نسبته 50 في المائة مقارنة على ما كان عليه الوضع في أواخر التسعينات، وذلك في جل المنتجات المهربة سواء المواد الغذائية أو الآلات الإلكترونية وحتى الألبسة والقماش، وكذلك الحال بالنسبة للباعة المتجولين، الذين تخلوا عن المساحات التي كانوا يستغلونها بجانب السوق كمكان لعرض بضائعهم.
ويجمع أصحاب المحلات على وجود أسباب عديدة لهذا الانكماش، من بينها تشديد الرقابة من قبل الجمارك وتخفيض الرسوم على أغلبية المواد المتاجر فيها، ما جعل بعض الشركات تستوردها بطرق قانونية وتعرضها في المحلات التجارية.
وقال أحد التجار، إنه «قبل وقت قصير، كان الباعة بهذا السوق، يتمسكون دائما بالسعر الذي يتم ذكره عند المساومة الأولى، ولا يبذلون أي مجهود لإبراز مزايا سلعهم، إلا أن الوضع اختلف اليوم كثيرا، إذ أصبح الرواج مقتصرا على بعض المناسبات، ومرد ذلك يعود إلى المنافسة التي فرضتها المنتوجات الداخلية، التي أصبحت تعرض بجودة وأثمنة منافسة، مما قلص من هامش الربح في المواد المهربة، وأصبح جل التجار يفكرون في البديل المناسب”.
من جهة أخرى، ذكر مسؤول جمركي بطنجة، أن الدولة سائرة في سياستها الرامية إلى القضاء تدريجيا على ظاهرة التهريب، التي كانت تكلف الاقتصاد الوطني خسائر فادحة تقدر بملايير الدراهم، وتفقد سنويا آلاف مناصب الشغل، مؤكدا أن السياسة المتبعة أعطت أكلها في السنوات الأخيرة، وأصبحت أغلب السلع التي تروج حاليا في الأسواق الشمالية هي سلع مغربية أو مستوردة بطرق شرعية.
وأوضح المسؤول أن مؤشرات تراجع هذه الظاهرة، التي رصدتها المصالح المكلفة بمحاربة التهريب، تتجلى أساسا في تراجع نسبة العرض بالأسواق، واقتصاره فقط على مواد بسيطة كالمواد الغذائية والألبسة المستعملة وذات المصدر الصيني وبعض مواد التنظيف… وكذا انخفاض قيمة المحلات التجارية في الأسواق التي تروج فيها هذه المواد، بالإضافة إلى حركة التجار بالثغور المستعمرة، الذين أصبحوا يفكرون في الهجرة إلى مدن إسبانية أخرى…
