يبدو أن السلطات المحلية بطنجة رفعت الراية البيضاء في معركتها ضد مافيا العقار بالمدينة، وأصبحت غير قادرة تماما على التصدي ومقاومة هذه التماسيح والعفاريت الحقيقية، التي أضحت تمتلك من الوسائل ما يخول لها القدرة على تجاوز القانون والتحايل عليه، واستطاعت بذلك نهب كل المساحات الممكنة بما فيها أراضي الجموع والخواص والحدائق وحتى المقابر، وبيعها بعقود مزورة أو تفويتها إلى أطراف أخرى لإقامة مشاريع سكنية وسياحية تذر على أصحابها الملايير.
مدينة طنجة، تعيش خلال السنوات الأخيرة، حمى حقيقية وموجة قوية غير مسبوقة في تاريخ المدينة على مستوى البناء العشوائي بمختلف الأحياء التابعة للمقاطعات الأربع، وخاصة بغرب المدينة بمناطق بني مكادة والعوامة، التي عرفت تسيبا خطيرا نتيجة استشراء نفوذ عدد من السماسرة والمضاربين العقاريين، الذين أصبحت المصطلحات عندهم حول وعاء عقاري خال من المشاكل غير متوفرة في قاموسهم اللغوي، ما أدى إلى جملة من الآثار السلبية الوخيمة على مستقبل المدينة، سواء على المدى القريب أم البعيد.
وكشفت جمعيات وهيآت مهتمة بالموضوع، أن مجموعة من الأراضي، سواء التي أقيمت عليها تجمعات السكنية أو التي تحولت إلى ملك خاص، تم الاستحواذ عليها في ظروف مشبوهة وبطرق غير قانونية من طرف لوبي العقار عن طريق وثائق تحمل أختام وتوقيعات مزورة، أنجزها موظفون وعدول وأعوان سلطة فاسدون، الذين ساعدوا على تمليك قطع أرضية كبيرة لأشخاص وهميين، وفتحوا المجال أمام عصابات لتقوم بالاستيلاء عليها وعرضها للبيع بعقود عدلية مشكوك في مصدقيتها.
ولعل عملية السطو والاستيلاء على أرض في ملكية عائلة يهودية من أصل مغربي، وتجزئتها وبيع أجزاء منها للغير بعقود مزورة، هي الأخطر من نوعها في المدينة والمنطقة عامة، نظرا للطريقة التي نفذت بها العملية، وطبيعة الأطراف التي ساعدت على تنفيذ الخطة، سيما أن مساحة الأرض تزيد عن 3 هكتارات وتتوفر على رسم عقاري مسجل تحت عدد 43716/06.
وابتدأت هذه القضية المثيرة، حين عاد ورثة الهالك مويال ميناحيم، وهو يهودي مغربي كان مقيما بمدينة طنجة، إلى المغرب لبيع بقعتهم الأرضية الكائنة بمنطقة مغوغة التابعة للنفوذ الترابي لبني مكادة بولاية طنجة، إلا أنهم فوجئوا بكون ملكيتهم جرى الترامي عليها من قبل عدد من المواطنين، الذين بنوا عليها أكواخ والمنازل غير قانونية وحولوها إلى حي عشوائي من دون إذن أو ترخيص.
وأمام هذا الوضع المريب، بادرت العائلة اليهودية بإجراء معاينة قام بها عون قضائي محلف، الذي انتقل إلى القطعة الأرضية المسماة “مبروكة”، ودون في محضر قانوني تصريحات أدلى بها عدد من السكان، الذين أقروا بأنهم اشتروا القطع الأرضية من شخص يدعى (م.ج) بثمن لا يتعدى 30 ألف درهم، ويتوفرون فقط على وثيقة عدلية عبارة عن شهادة 12 فردا.
كما أكد جل السكان المستجوبين، بحسب ما جاء به تقرير العون القضائي، أنهم كانوا على علم بكون القطع الأرضية، التي بنوا عليها محالات سكنية عشوائية، تعود للغير، وكانوا متأكدين من أنه سيأتي يوم يظهر فيه أصحاب القطعة الأصليين، ما جعلهم يعيشون هذه الفترة تحت وطأة المصير المجهول.
وبناء على ذلك، تقدمت الأسرة بشكاية إلى وكيل الملك لدى ابتدائية طنجة، للمطالبة بإجراء بحث دقيق في هذه القضية ومتابعة كل المتورطين في جرائم الترامي على ملك الغير وانتزاع حيازته والنصب والاحتيال والسرقة، وخصصوا بالذكر المسمى (م.ج)، حيث طالبوا بتقديمه ومتابعته طبقا لأحكام القانون المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول القانون الجنائي المغربي، مع حفظ حقهم في تقديم مطالبهم المدنية في الوقت المناسب.
كما قام المشتكون، وأغلبهم يتواجد خارج أرض الوطن بالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وكندا وسويسرا، بتقديم شكايات ورسائل في الموضوع إلى كل الجهات الرسمية المعنية، بما فيها والي الجهة وعامل عمالة بني مكادة والوكالة الحضرية وقسم التعمير ورئيس الجماعة الحضرية، وطالبوا من خلالها بإنصافهم واتخاذ جميع التدابير اللازمة لإيقاف هذا النزيف اللامشروع، إلا أن محاولتهم باءت بالفشل.
ولم تكن هذه القضية هي الأولى أو الأخيرة التي يسجل فيها مثل هذه الخروقات، إذ شهدت مناطق أخرى بالمدينة أحداثا مشابهة، ومن بينها اقتحام مئات من المواطنين أراض تابعة للجموع، وشيدوا فوقها مساكن وبناءات تحت غطاء وحماية عدد من المرشحين، الذين استغلوا جهلهم وظروفهم الاجتماعية لكسب أصواتهم، إلا العملية انتهت بالهدم واصطدامات بين السلطات الأمنية والسكان، الذين تعرضوا للضرب والاعتقال والسجن.
وبحسب المعلومات دقيقة، فإن محمد اليعقوبي والي جهة طنجة ـ تطوان بالنيابة، كرس كل خبرته لمعالجة فوضى المعمار بالمدينة، حيث أعطى تعليماته بفتح تحقيق سري ودقيق، للوقوف على الملابسات والعوامل التي ساهمت في السطو على ملك الغير وأراضي الجموع ، ونتج عنها انتشار ظاهرة البناء العشوائي بمنطقة العوامة، خصوصا ما بين الانتخابات التشريعية والجزئية لسنة 2011.
المختار الرمشي (الأخبار)