ليل رمضان بطنجة أشبه بليالي مدن أوربا الساهرة (ملف الأسبوع)

ليل رمضان بطنجة أشبه بليالي مدن أوربا الساهرة (ملف الأسبوع)

13 يوليو, 2013

رمضان في طنجة يختلف قليلا عنه في باقي الحواضر الساحلية أو الداخلية، لأنه يستمد تقاليده وطقوسه من روحانية الشرق الممتزجة بمادية الغرب، التي توارثها السكان عبر تاريخ المدينة المتنوع والمختلف، إلا أنها تبقى في العمق محافظة على التقاليد الرمضانية المغربية.

قبل أن يحل رمضان بطنجة، تسبقه عادة روائح طيبة تنبعث من نوافذ المنازل سواء في المناطق الراقية أو الشعبية، فجل نساء المدينة يسهرن، قبل دخول هذا الشهر المبارك، على تحضير أطباق من الحلويات المختلفة، لأن رمضان لا يحلو في أعينهن إلا إذا امتلأت مائدة الإفطار بما صنعت أيديهن، خصوصا في الأحياء الشعبية والمدينة القديمة، التي تتجاور فيها أبواب المنازل، حتى أن الناس يتبادلون الحديث من نوافذ تكاد تكون متلاصقة مع بعضها في كثير من الأزقة.
كما أن الكثير من المساجد العتيقة، التي تزخر بها المدينة ويرجع تاريخ بنائها إلى عدة قرون خلت، تعرف هي الأخرى استعدادات قبلية حتى تكون جاهزة لاستقبال المصلين، رغم أن الإقبال الكبير تحظى به المساجد الكبيرة في المدينة، التي يؤمها الناس من كل المناطق البعيدة، رغبة منهم في الاستمتاع أولا بالتجوال والمشي لمسافات طويلة، وثانيا لأداء الفرائض في مسجد كبير وفسيح، وهو ما يجعل أحيانا العثور على مكان داخلها لا يتم إلا بشق الأنفس.

ليالي رمضان عند “الطنجاويين” تتحول إلى نهار، فبعد الإفطار وأداء صلاتي العشاء والتراويح، يسارع الناس إلى الاجتماع والالتقاء لتبادل أطراف الحديث، وهي من العادات المتوارثة، التي تتميز بها المدينة عن غيرها منذ عهد الاستعمار، حين كان سكانها يشتهرون بحبهم للسهر والجلوس في المقاهي والمطاعم إلى ساعة متأخرة من الليل، لأن ذلك مرتبط بعادات وتقاليد اكتسبوها من خلال معاشرتهم لأجناس مختلفة تعرف بافتتانها وعشقها للحياة، وهو ما تحاول السلطات حاليا تكريسه من خلال مهرجانات متتالية وسهرات غنائية ليلية تقام طيلة السنة، خاصة عند موسم الصيف.

شوارع طنجة، بما فيها “البولفار”، وهو الشارع الرئيسي الذي يضم أشهر المقاهي والمطاعم والمتاجر، هي الأخرى تحتفظ بجاذبيتها في شهر رمضان المبارك، لتستقطب عددا كبيرا من عشاق السهر الرمضاني، الذين يتوزعون بين التجوال على جانب البحر، أو الجلوس على أرصفة المقاهي والمطاعم، أو تتابع بعض السهرات الموسيقية التي تقدمها، هنا وهناك، بعض المقاهي والفنادق، وتستمر حتى الفجر.

كثير من المقاهي، تستغل فرصة هذا الشهر وتتحول إلى أماكن يتجمع فيها الأحبة وبعض السياح الخليجيين، حيث تعقد فيها صفقات تتطور إلى لقاءات محرمة خارج هذه المقاهي، وذلك تحت أضواء خافتة ورائحة التفاح والتوت المنبعثة من دخان الشيشة، التي أصبحت موضة تجذب شريحة كبيرة من الشباب وكبار السن وفتيات في مقتبل العمر، بالإضافة إلى عدد من المراهقين الذين يقصدونها في ليالي رمضان لتزجية وقتهم في تدخين الشيشة ذات الطابع المشرقي ولعب أنواع القمار حتى الفجر.

إلى ذلك، نجد عددا من وسيطات الدعارة والشواذ يعملون مع حلول شهر رمضان الأبرك على نقل نشاطرهم إلى هذه المقاهي الخاصة بتدخين الشيشة، خاصة أنها تجتذب يوميا عشرات الشباب والفتيات من مختلف الأعمار، إلى جانب السياح الأجانب، إذ أضحت هذه الصور، التي تروم تحقيق حريات هامشية ومزاعم سياحية، مشاهد روتينية لها خصوصيات سلبية، أدت إلى تصاعد شكاوى المواطنين وتذمرهم من انتشار هذه الظاهرة التي امتدت إلى الأماكن العامة، لاسيما في مثل هذه المناسبات الدينية.

غير أن رمضان في الأحياء القديمة من المدينة، مثل القصبة ودار البارود ومرشان والسقاية، يعرف نمطا مختلفا إلى حد كبير، ففي عدد من هذه الأحياء مازال يجتمع الكثير من هواة الموسيقى العتيقة ويمضون جزءا كبيرا من الليل في عزف مقطوعات من الموسيقى الأندلسية المغربية أو الطرب العربي الأصيل، بينما يحضر مدعوون من الأصدقاء ومن المولعين بهذه السهرات التي تمتد طويلا إلى ساعة متأخرة من الليل.

فهذه الظاهرة ليست جديدة على المدينة، وتمتد إلى عقود طويلة خلت، إلا أنها صارت في السنوات الأخيرة مهددة بالانقراض، نظرا للتوسع الكبير والهجرة المكثفة التي تعرفها المدينة من مدن وقرى مغربية عديدة، جعلت الكثير من مظاهرها التقليدية العتيقة تتراجع وتتقلص بشكل ملحوظ.

المختار  الرمشي- جريدة الصباح

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*