سكتـة قلبية تهدد الجامعـات المغربيـة

27 يوليو, 2013

id-haj-abdelwahabبعدما كانت الجامعة المغربية على حافة الإفلاس التام، استبشرنا خيرا بالإصلاح الجامعي الجديد. واعتبرنا في أول الأمر أن الطريقة الجديدة لاختيار المسؤولين عن التسيير داخل الجامعات سيخلق فضاء ديمقراطيا تتكافأ فيه الفرص ويصبح فيه لا فرق بين زيد أو عمرو، وتكون الجودة هي المعيار الوحيد لقبول أي مشروع أو رفضه، وبالتالي سيعطي هذا الفضاء نفسا جديدا للجامعة والجامعيين. ومن خلاله يمكن لجميع الأساتذة أن يقدموا مجهوداتهم وإبداعاتهم بدون خوف من الإقصاء أو التهميش، كما سيستمع إلى مشاريعهم بكل إمعان، وبذلك سيستعيد الأساتذة الثقة في مسؤوليهم الجامعيين، وسيكون هذا محفزا كافيا ليبذلوا جهدا أكثر وإبداعا أكبر، في فضاء يسوده التآخي والشفافية وتكافؤ الفرص.

إلا أن النتائج الأولية كانت مخيبة للآمال، وبدأت تظهر أعراض مرضية غريبة وخطيرة داخل الجسم الجامعي، بحيث بدأنا نرى تكوين نفوذ داخل المؤسسات الجامعية، ولا يتم قبول أي فكرة أو أي مشروع إلا للأساتذة التابعين لهذا النفوذ، وعلى سبيل المثال و بإطلالة سريعة على المشاريع الكبرى المرتبطة بالتعاون الدولي، التي تستفيد منها الجامعة ستجد جلها يصب في الاساتذة المحظوظين الذين ينتمون لهذا النفوذ، رغم أدائهم المتردي مقارنة مع زملائهم الأساتذة الأكفاء الذين لهم رصيد من التراكمات الناجحة والتجارب الكبيرة في مجال الخبرة التعاون الدولي.  

إن فلسفة تكافؤ الفرص أو ما يطلق عليه اصطلاحا بالديمقراطية، هي أنها تعطيك أجود الأشخاص والأفكار والاقتراحات و المشاريع. لكن العكس هو الذي حصل، فالعديد من المسؤولين داخل الجامعة المغربية يميلون إلى قبول مشاريع وأفكار واقتراحات فارغة من خلال لجن مفبركة. ويكون ذلك، مع كل أسف على حساب مشاريع مهمة و نافعة. و السبب الرئيسي في ذلك هو أنهم لا “يتفاهمون” مع أصحاب المشاريع النافعة والأفكار النيرة، ويخافون أن يظهروا أحسن منهم و بالتالي سيمثلون خطورة عليهم و على مناصبهم، رغم أن هذا الطرح غير وارد، لأن عدد كبير من الأساتذة أصحاب المشاريع الجادة يكون شغلهم الشاغل هو إنجاح هذه المشاريع، و بهذا النجاح الرقي بالجامعة والجامعيين وليس لهم أي طموح في منازعة المسؤولين على مناصبهم.

  بهذا بدأت بعض السلوكات الذميمة تدب إلى جسم الجامعة المغربية التي كانت دائما توصف بالطهر والبراءة، وهذا ما يفسر تراجع الجامعة المغربية على جميع المستويات رغم الوسائل والإمكانيات الهائلة التي رصدت لها في الإصلاح الجامعي الأخير.

لقد أصبح اكتساب النفوذ وإمكانية استخدامه لمصلحة البعض دون الآخرين، هي السمة الغالبة على التسيير داخل الجامعات المغربية. فكل مشروع أراد أن  يعرف النور، عليه أن يكون مدعوما من ذوي هذه القوى النافدة. مما دفع الكثير من الأساتذة الجادين والذين لهم مشاريع وأفكار مفيدة يتراجعون إلى الوراء، لأن ثقلهم العلمي ووزنهم المعرفي وأخلاقهم الجامعية تمنعهم من أن يتهافتوا ويتقربوا بوسائل غير مشروعة، وفي بعض الأحيان تكون بوسائل يندى لها الجبين.

علينا داخل الجامعة المغربية أن نجد آلية لمحاسبة الذين يعملون على اقصاء المشاريع النافعة ويزكون المشاريع الفاشلة، لأن هذا سيؤدي لا محالة إلى هدر الجهد والمال وسيضع مستقبل الطلبة والجامعة والجامعيين في كف عفريت وفي خانة المجهول الذي لا تحمد عقباه، ويمكن أن يأتي على الأخضر واليابس.

قبل الإصلاح الجامعي كنا نتخوف فقط من البرامج التي لم تعد تساير سوق الشغل والمحيط السوسيو-اقتصادي بصفة عامة. لكن اليوم زيادة على البرامج المتقادمة أصبح اكتساب النفوذ والإقصاء والتنافس غير المشروع، والطموح الذاتي على حساب المنفعة العامة، وعدم الاستماع إلى الآخر والتواضع له ومناقشته، يهدد الكيان الجامعي.

لكل هذا وذاك، بدأنا نحس كجامعيين، بأن الجامعة المغربية بدأت تفقد آخر مواقعها، وآخر ما يمكن فقدانه داخل حرم جامعي كانت المصداقية محوره الرئيسي و متنفسه الوحيد.  و بالتالي هل يمكن أن نعتبر أن الجامعة بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة؟ و هل يمكن أن نعتبر أن السكتة القلبية ستقع قريبا؟ 

2 تعليقات

  1. لئن يلج الجمل في سم الخياط أهون 100 مرة من استئصال الفساد في المغرب, لأن الفساد ثقافة و ليست بأشخاص

  2. واقع الحال في الجامعات المغربية لم يعد خافياً على أحد،فقد بحت الأصوات وجفت الأقلام والشرفاء من منتسبي تلك الجامعات في إنتظار تحرك حكومتنا الموقرة الممثلة في وزارة التعليم العالي و البحت العلمي وتكوين الأطر . مقال جميل يبين مدى غيرة استاذنا الكفؤ على الوضع الذي تعيشه الجامعة ..والله الموفق

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*