لازالت المصالح الأمنية بطنجة تباشر تحرياتها لفك لغز جريمة قتل راح ضحيتها إمام مسجد بالمدينة، الذي لقي حتفه ليلة العيد (الخميس 8 غشت الماضي)على يد مجهولين، وجهوا له طعنات قاتلة على مستوى الصدر قبل أن يلوذوا بالفرار إلى وجهات لازال مجهولة حتى اللحظة.
وتعددت الروايات والسيناريوهات حول الطريقة والدوافع التي أدت إلى قتل الفقيه محمد اليعقوبي، الذي عثر عليه مضجعا وسط دمائه بحي “دراوا” الشعبي، القريب من “بالاصا طورو” التابع لمنطقة بني مكادة، إذ هناك من أكد أن الجريمة ارتكبت بدافع السرقة، ونفذها شخصان اعترضا سبيل الفقيه وحاولا سلبه ما كان بحوزته من أموال، إلا أن مقاومته دفعت بالجناة إلى الاعتداء عليه قبل أن يوجه له أحدهم طعنات بواسطة سكين أصابت إحداها قلبه ليسقط على الأرض متأثرا بجروحه الغائرة ويفارق الحياة بعين المكان، قبل أن تصل سيارة الإسعاف، التي نقلته جثة هامدة إلى مستودع الأموات بمستشفى دوق دي طوفار بالمدينة.
جهات أخرى فندت هذه الفرضية، وعللت وجهة نظرها بكون الضحية وجدت معه محفظة النقوذ، وتحدثت عن شخصين صادفهما الفقيه وهو عائد إلى منزله بعد إمامته لصلاة العصر بمسجد “دراوا”، وهما بصدد تناول الطعام بالشارع العام قبل وقت الإفطار، حيث حاول الإمام توجيه النصيحة لهما، إلا أن الأمر تحول إلى نقاش حاد انتهى بقتل الإمام والانسلال دون ترك أي أثر لهذه الجريمة البشعة.
أما الرواية الثالثة، فذكر أصحابها أن الضحية صادف في طريقه شابا يمارس الجنس مع فتاة في واضحة النهار، ما دفعه إلى الاستنكار وتهديد الفاعلين باستدعاء الشرطة، لينسل الشاب من سكين ويصوب لـ “الناهي” طعنات على مستوى القلب والبطن ويرديه قتيلا.
السلطات الأمنية كعادتها ظلت هي الأخرى تنسج فرضيات أظهرت عن ارتباكها الواضح وعدم قدرتها على المسك بخيوط الجريمة، ما دفعها إلى إيقاف فتاة اشتبه في تورطها في هذه الجريمة، ليتم إطلاق صراحها بعد أن تأكد المحققون أن لا علاقة لها مع الجاني أو الجنات المحتملين، وهو ما يؤكد أن التحقيقات تسير في اتجاه الفرضية الثالثة، لتن تصنيف هذه الجريمة ضمن خانة الجرائم الغامضة، التي لم تتمكن الأجهزة الأمنية والقضائية من كشف ملابسات وقوعها، ومن بينها الجريمة المافيوزية التي راح ضحيتها (ع.بوتفاح)، الذي قتل داخل سيارته رميا بالرصاص.
وكانت جموع غفيرة شيعت بعد عصر الجمعة الماضي (يوم العيد)، جنازة البقالي، إمام مسجد “آل البيت”، إذ عمد مئات المواطنين إلى حضور مراسيم الجنازة، التي انطلقت من مسجد حي الشرف، للتعبير عن تضامنهم المطلق مع أسرة الفقيه، وذلك في موكب مهيب مشيا على الأقدام، قبل أن يوارى جثمان الضحية الثرى في مقبرة صغيرة بحي “دراوا”.
وتخللت مراسيم التشييع، احتجاجات عارمة لمواطنين غاضبين، الذين عبروا عن سخطهم البالغ اتجاه الوضع الأمني المتردي بالمدينة، محملين مسؤولية الحادث للأجهزة الأمنية، التي وصفوها بـ “المتخادلة” وغير القادرة على استتباب الأمن وحماية أرواح المواطنين، التي تسقط تباعا بالشارع العام وفي واضحة النهار.
وعرفت مدينة البوغاز، خلال الفترة الأخيرة ارتفاعا ملفتا لمعدلات الجريمة التي تمارسها عصابات منظمة تقوم إما باعتراض المواطنين وسلبهم ما بحوزتهم بالقوة وتحت التهديد باستعمال السلاح، أو بالإغارة على المنازل والأبناك والوكالات والمحلات التجارية بغرض سرقة محتوياتها، حيث سجلت في الفترة ذاتها حالات اعتداء جسدية في مناطق متفرقة، ولم تقتصر الجريمة على ذلك فحسب، بل لجأت إحدى العصابات إلى استعمال الرصاص الحي بأحد شوارع المدينة لتصفية حسابات يعتقد أن لها صلة بالاتجار في المخدرات.
وتعد منطقة “العوامة” بطنجة، نقطة أمنية سوداء بالمدينة، نظرا لما تعرفه من ارتفاع واضح في معدلات الجريمة بمختلف أشكالها، إذ تتفوق هذه المنطقة في عدد القضايا المنجزة بالدوائر الأمنية التابعة لها، على المنطقة الأمنية لطنجة المدينة، برغم أن عدد سكان الأولى لا يتعدى 700 ألف نسمة، فيما يفوق عدد الأخيرة 950 ألف نسمة، ويتضاعف أثناء فصل الصيف وفي العطل والمناسبات.
وتخلف هذه المظاهر الإجرامية والممارسات السلبية، قلقا واستياء بالغين لدى سكان المدينة، خصوصا أحياء بئر الشيفا والسانية والشوك وبن صالح وموح باكو… الذين تولد لديهم إحساس بالخوف على ذواتهم وأبنائهم، لاسيما الضحايا من الفتيات والنساء اللواتي يعملن في المناطق الصناعية ويتعرضن للسطو على ممتلكاتهن من هواتف نقالة وحلي وألبسة ومبالغ مالية… إذ سبق لهن أن ناشدن، عبر جمعيات مختلفة، الجهات المسؤولة بالتدخل العاجل للحد من حالة اللاأمن التي يعشن على إيقاعها.
وكان عدد من الفاعلين والمهتمين بالجانب الأمني بالمدينة، أكدوا في كثير من المناسبات، حقيقة تصاعد وتيرة انتشار الجريمة ذات الأبعاد المختلفة، وأكدوا أن الوضع قابل للتدهور أكثر في حالة عدم تدخل الجهات المركزية والإسراع باتخاذ التدابير الفعالة ودعم المدينة بكل الإمكانيات المادية واللوجستيكية، حتى تتمكن العناصر المتوفرة من أداء مهمتها وضمان أمن حظيرة يتجاوز عدد سكانها مليون نسمة.
كما أكدت نفس المصادر أنه من بين الأسباب الرئيسة لتنامي ظاهرة الإجرام بالمدينة تعود إلى التوسع العمراني غير المنظم، الذي يتميز بهندسته العشوائية وأزقته الضيقة، التي تسمح بتكون عدة نقط سوداء تحتكرها عناصر خطيرة وعصابات تحتضن جميع أشكال الانحراف، بالإضافة إلى استفحال ظاهرة الوافدين على المدينة، الذين يتحولون بعد انسداد الآفاق في وجوههم إلى أداة ضاربة في الجريمة بحثا عن قوتهم اليومي بشتى الوسائل، ناهيك عن غياب الإرادة وروح المسؤولية لدى بعض الجهات المنتخبة، التي تتخذ موقف المتفرج وتساهم، بطرق أخرى، في تفريخ مزيد من أوكار الجريمة ومأو لمجهولي الهوية.
المختار الرمشي (الأخبار)