عاش السجن المدني “سات فيلاج” بطنجة، في الأونة الأخيرة، حالة من الإحتقان والغليان، في صفوف موظفي هذه المؤسسة ونزلاءها، نتيجة مجموعة من الإجراءات التعسفية التي نهجتها الإدارة في ظل غياب مدير المؤسسة، ما أدى إلى نشوب عدة اصطدامات ونزاعات بين الموظفين والإدارة من جهة، والنزلاء والحراس من جهة أخرى.
وعرفت المؤسسة، طيلة غياب المسؤول الأول، الذي كان في عطلة غير محددة، اصطدامات خطيرة بين نائب المدير وعدد من الموظفين، خلقت نوعا من التوتر داخل هذه المؤسسة، وانعكست آثارها سلبا على جل النزلاء وزوارهم، كان آخرها دخول المسؤول بالنيابة في نزاع حاد مع أستاذة مكلفة بتدريس السجناء في المركز التربوي بنفس المؤسسة، أدى إلى إصابة الأخيرة بانهيار عصبي نقلت على إثره إلى قسم المستعجلات، ومنه إلى إحدى المصحات الخاصة، حيث منحها الطبيب المعالج شهادة طبية مدة العجز فيها تصل إلى 21 يوما.
وذكرت مصادر متطابقة، أن الأستاذة “ف.ش” راسلت الإدارة المركزية بخصوص ما تعرضت له من أضرار جسدية ونفسية، وطالبت باتخاذ الإجراءات اللازمة في حق نائب المدير، وتعتزم تقديم شكاية إلى وكيل الملك لمتابعة المعني بالأمر قضائيا.
وأفادت المصادر، أن التوتر الحاصل بين الإدارة والموظفين يعكس الحالة الحقيقة التي ترزح تحتها هذه المؤسسة السجنية، التي تسودها أجواء ساخنة تتحكم فيها أعراف وتقاليد عشوائية موروثة، تساهم في تدني مختلف الخدمات الاجتماعية إلى درجة أقل ما يقال عنها أنها مهينة للكرامة الإنسانية، نتيجة استفحال الرشوة والمحسوبية في صفوف القائمين على تدبير شؤون المؤسسة، والتساهل غير المبرر والامتيازات الاستثنائية الممنوح لفئة معينة من النزلاء، تضم أباطرة المخدرات وبعض السجناء الأجانب وزعماء معتقلي السلفية الجهادية، الذين فرضوا قوانين خاصة أصبح بموجبها السجن عبارة عن “إمارة إسلامية”.
وأوضحت نفس المصادر، أن مثل هذه السلوكات غير القانونية لازالت سائدة وتتحكم فيها، منذ عقود من الزمن، عوامل متشابكة لا يمكن إحباطها أو التصدي لها في ظل العلاقة المتينة والمصالح المتبادلة بين المسؤولين وأباطرة المخدرات والأشخاص الذين لهم “حظوة خاصة”، وتتجلى مظاهرها بشكل فضيع في التقسيم الطبقي والزبوني للنزلاء على العنابر والأجنحة، مبرزة أن هناك سجناء “خمس نجوم” تخصص لهم عنابر مريحة تتوفر فيها كل الشروط اللازمة للحياة، ويحظون بامتيازات خيالية كحرية التجول والتصرف في كل مرافق السجن، بينما باقي السجناء غير المحظوظين يمنعون من أبسط الحقوق ويرزحون في وضعية مزرية في ظل اكتظاظ رهيب.
وكانت تقارير حقوقية أكدت أن الأوضاع داخل هذه المؤسسة السجنية تبعث على القلق لما تعرفه من خروقات مختلفة تحط من الكرامة وتمس جوهر القيم الإنسانية، مبرزة بالأرقام والنسب الحياة غير العادية التي يعيشها النزلاء داخل الزنازن والعنابر نتيجة التجاوزات القائمين على تدبير شؤون هذه المؤسسة، بدءا بالمحسوبية والزبونية وتنامي ظاهرة الارتشاء، ومرورا بسوء التغذية ونقص في الخدمات الطبية وانتشار الأمراض المعدية، وصولا إلى ترويج المخدرات وغيرها من مظاهر التسيب الممارس من قبل الموظفين في حق النزلاء، وهي أمور يترتب عنها آثار نفسية عميقة تؤثر سلبا على إعادة إدماج السجناء وتحقيق الالتزامات المسطرة بالمواثيق والمعاهدات الدولية.
وفي هذا السياق، أكدت اللجنة الجهوية لحقوق الانسان بجهة طنجة تطوان، في تقريرها الأخير الانتشار المهول لظواهر الفساد بكل أشكالهما واستفحال أعمال العنف والأمراض والإساءات الجنسية داخل هذه المؤسسة المدنية، مصنفة إياها في قائمة أكثر السجون المغربية إكتظاظا.
وسجل نفس التقرير، الذي تتوفر “الأخبار” على نسخة منه، وجود نقص على مستوى النظافة والاستحمام والفسحة والتغذية والتطبيب، بالإضافة ضعف المقاربة الادماجية في التعاطي مع الخدمات وبرامج التربية والتكوين، التي تعتبر سبيلا لتسهيل انخراط السجناء في محيطهم المجتمعي وضمان عيش كريم لهم بعد انقضاء مدة العقوبة، مشددا في نفس الوقت على ضرورة اتخاذ تدابير تشريعية وإدارية وأخرى عملية لتحسين أوضاع نزلاء المؤسسة.
المختار الرمشي (الأخبار)