العلاقات المغربية الجزائرية: هل تصلح الثقافة ما افسدته السياسة

15 نوفمبر, 2013

ongherلا ابوح لكم  سرا اذا قلت بأن كتابة هذا الموضوع تطلب مني تفكيرا عميقا قبل الاقدام عليه، ليس لان المعطيات حول الصراع المغربي الجزائري قليلة وشحيحة، لأن الصحف المغربية والجزائرية مليئة بمواضيع تتناول توتر العلاقات الدبلوماسية والسياسية  بين البلدين بل وتنفخ فيه، ولكن لأنني استشعرت مسؤولية كبيرة تتمثل في ضرورة الانخراط في السجال السياسي العدائي الدعائي المجاني للجزائر، التي تحكمها طغمة عسكرية فاسدة ومستبدة…

 إننا كمثقفين، أو من ندعي ذلك، جزائريين ومغاربة مطالبين بالبحث عن الوجه الايجابي في العلاقات المغربية الجزائرية، وعن صيغ التفاهمات وحسن الجوار الذي تقتضيه قيمنا ومصائرنا كذلك، لذلك كان كتابة هذا الموضوع أكثر مسؤولية من سابقيه، رغم أنني أعلم بأن الحديث اليوم عن العلاقات المغربية الجزائرية ببرودة دم وبدون شعبوية لا يلقى تأييدا من الجماهير التواقة، بل الأصح المتشبعة بلغة العداء والوطنية المشكوك في أمرها أحيانا. فالحقيقة والتاريخ يقتضيان أن نقول بأن الشعبين المغربي والجزائري تربطهما أواصر ثقافية وفكرية وحتى دموية لا شك فيها، فالشعبين تعاونا في دحر الاستعمار الفرنسي عن أراضيهما، واحتضن المغاربة المقاومين الجزائريين في أحلك الظروف وأقساها ، لكن لعنة الله على السياسة التي فرقتنا.

العلاقات المغربية الجزائرية لا تحتمل المقامرة من الجانبين ولا أن تصبح مادة انتخابية، فالعنف  والإرهاب الذي يستهدف البلدين والبلدان المغاربية اجمع، والتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه  الشعبين اكبر من أن نستنزف قوانا في المؤامرات والدسائس ضد بعضنا البعض، لكن للحقيقة والتاريخ كذلك نقول بأن قضية الصحراء المغربية هي العقبة الكبرى في ترتيب البيت الداخلي المغاربي،  فمن يستفيد من هذه الوضعية غير السليمة ؟ من المسؤول عن إطالة أمد هذه القضية المفبركة اصلا؟ هل الشعب الجزائري يهمه تقسيم المغرب  وإقامة دويلة في جنوبه تحتضن الارهاب والتطرف  وتنشره في المنطقة كلها؟ إننا كمغاربة، والصراحة تقتضي ذلك، لا نفهم الإصرار الرسمي الجزائري على دعم جبهة البوليساريو التي صنفتها عدد كبير من دول العالم ضمن المنظمات الارهابية، إننا كمغاربة لا نفهم من الجزائر اقتنائها أسلحة هجومية وليست دفاعية؟

إن الشعب المغربي لا يفهم كيف لدولة يعيش شعبها البطالة والفقر أن تنفق أموالها في شراء الأسلحة الفتاكة، وفي دعم البوليساريو والمنظمات الموالية لها في الخارج؟  في وقت تحدتث فيه الصحف الجزائرية الرسمية عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر بفعل الفساد وسوء تدبير الثروات النفطية والغازية، حيث أثر ذلك على نفسية الشعب الجزائري إلى حد أن إحدى الصحف الجزائرية (الحوارات – les debats)، تحدثت، في عددها ليوم الأربعاء 13 نونبر 2013 ، عن انتشار الاكتئاب العصبي، الذي وصلت نسبته إلى 7 في المئة  بين صفوف الشعب الجزائري.

إننا في المغرب ندعو جنرالات الجزائر إلى أن يتقوا الله في شعبهم،  كما ندعو بعض السياسيين المغاربة  إلى نفس الشئ، فمطالب حزب الاستقلال المغربي، فيما يتعلق باسترجاع منطقة بشار دعوة مرفوضة ولا تخدم مستقبل العلاقات السياسية بين البلدين،  كما أن إنزال العلم الجزائري من القنصلية الجزائرية بالدارالبيضاء عمل مرفوض ومدان ولا يخدم أسس التفاهم التي يجب أن تسود بين الشعبين.

كما أن السجال الإعلامي بين البلدين لا يخدم مصلحة الشعبين، بل يعمق الجراح ويوسع الهوة، لذلك ندعو المثقفين الجزائريين والمغاربة لتكسير هذا الجمود في العلاقات السياسية بين البلدين عبر القيام بأنشطة  فنية وثقافية مشتركة والقيام برحلات علمية وثقافية متبادلة، وهذا هو النهج الذي نريده للشعبين الشقيقين، أو للدقة،  شعب واحد في دولتين، يجب على الساسة الجزائريين والمغاربة تجاوز عقلية الحرب الباردة  والعمل على التكامل الاقتصادي والسياسي، لأنه هو سر نجاح الدولتين في المستقبل أمام التكتلات الكبرى الاقليمية المجاورة، فلماذا إغلاق الحدود بين البلدين منذ التسعينات؟ ولماذا التأخير في بناء الاقتصاد المغاربي؟. لمصلحة من يستمر التراشق الإعلامي بين البلدين؟ لماذا الإصرار الجزائري على تقسيم المغرب والمس  بوحدته الترابية؟  هل ستقبل الجزائر بالمعاملة بالمثل، أي أن يدعم المغرب انفصال منطقة القبايل عن الجزائر؟. فلطالما سمعنا الجزائر تتبنى موقفا محايدا من قضية الصحراء المغربية، رغم أن الموقف الذي يجب أن يكون هو أن تدعم الجزائر الوحدة الترابية للمغرب، لكن رسالة الرئيس الجزائري الى أبوجا أخرجت المواقف العدائية للنخبة السياسية الجزائرية الحاكمة إلى العلن،  وأصبحت الجزائر طرفا في النزاع.

المطلوب من الأشقاء في الجزائر هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب وعدم دعم الانفصال في أي قطر مغاربي، وإلا فإن استمرارهم على هذا النهج سيقوض كل جهود الوفاق المغربي الجزائري، وسيفتح المنطقة أمام الإرهاب والتطرف ودعوات الانفصال المتنقلة، فلا توقضوا الفتنة،  فهي ستحرق الجميع .

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*