” الفنانون السيئون يقلدون والفنانون الكبار يسرقون ” بهذه المقولة الشهيرة للفنان العالمي بابلو بيكاسو ، والتي أعاد كتابتها الفنان البريطاني بانكسي على لوحة رخامية أمام الباب الرئيسي لمتحف بيكاسو ببرشلونة ، يستقبلك معرض تشكيلي يحمل عنوان ” ما بعد بيكاسو ، وردود الفعل المعاصرة ” .
ويحتضن هذا المعرض أعمالا فنية ل 58 من أعمال الفنان الأمريكي الشهير اندي وارول ( يعد من أشهر فناني الولايات المتحدة للنصف الثاني من القرن الماضي توفي سنة 1987 ) ، و البريطاني بانكسي (رسام جداريات مشهور ومجهول في نفس الوقت، يعتقد أن اسمه روبرت بانكسي من مواليد سنة 1974 ) ، ولرسامين من إفريقيا وأمريكا الجنوبية مستوحاة أو متأثرة باتجاه هذا الرسام الاسباني الذي ترك وراءه كنزا فنيا يؤثث جميع المتاحف العالمية الكبرى.
وافتتح المعرض خلال هذا الأسبوع ، وسيستمر الى غاية 29 يونيو القادم ، ليشكل بذلك أهم حدث فني تشهده العاصمة الكاطالونية خلال السنوات الأخيرة ومناسبة فريدة لاحتفال المتحف بالذكرى الخمسين لتأسيسه.
ويقع متحف بيكاسو في حي “باريو كوتيكو” وهو حي يشبه الى حد ما أحياء المدن المغربية العريقة المتميزة بأزقتها الضيقة ، لكن بناءه يعود الى فترة تواجد الرومان بالمنطقة ، غير أنه أعيد بناءه خلال القرون الوسطى . ويمكن حاليا ملاحظة اختلالات في جمالية البناء داخل الحي ، فإلى جانب عمارة يعود تاريخ بنائها الى مئات السنين تركن أخرى الى جانبها حديثة العهد بالحي بل و مبنية على أسس هندسة معمارية “طلائعية” كما يطلق هنا على البنايات الزجاجية وغيرها من البنايات المكعبة والمستطيلة التي تشتهر بها مدينة برشلونة .
والمعرض لا يقدم لوحات أو منحوتات لبيكاسو الذي ولد في مدينة مالقا ( جنوب إسبانيا) سنة 1881 ، وتوفي في موجان جنوب فرنسا سنة 1973 ، لكن يعرض أعمالا مقتبسة أو مستوحاة من أعماله هدفها على ما يبدو هو إثبات أنه بعد 41 سنة عن وفاته لازال هذا الفنان يثير الجدال الثقافي والحوار الفني المثمر بين الفنانين المعاصرين في جميع أنحاء العالم.
ومن الأعمال المعروضة لوحة بتوقيع الرسام التركي بدري بايكام تحمل عنوان ” حريم أفينيون لها مائة سنة” ، مستوحاة من إحدى روائع بيكاسو ” آنسات أفينيون ” ، وهي لوحة فنية مزدوجة رسمها بيكاسو سنة 1907 يقول النقاد إنها رفعت صاحبهما الى مصاف مبدع القرن العشرين الأول. وفي المجموع، تعرض أعمال 41 فنانا قادمين من القارات الخمس منها الرسومات والمنحوتات والصور الفوتوغرافية وغير ذلك من الأساليب التعبيرية التي أريد من خلالها نسج تعبير شمولي يجعل من إبداعات بيكاسو محورا معبرا عن كونية الفن وكينونة الفنان .
كما يشارك في هذا المعرض الفنان الكونغولي شيري سامبا و الجنوب إفريقي جانجس والعراقي ضياء العزاوي والبرازيلي فيك مونيز والهندي أتول دوديا بالإضافة الى لوحة للفنان السوداني ابراهيم صلاحي مستوحاة من آلام مواطنيه خلال الحرب بين شطري السودان وهي لوحة بدأها وهو معتقل في سجن بلاده بتهمة ” التعدي على النظام” ، كل ذلك ضمانا لتنوع إبداعي حقيقي للمعروضات وكذا لتمكين الجمهور من اكتشاف أهم الأعمال المعاصرة المنتمية لمختلف البلدان والقارات.
وفضلا عن ذلك ، يؤكد المعرض بما لا مجال فيه للشك أن تأثير بيكاسو على الفن المعاصر ظاهر جلي في جل الأعمال المعاصرة ، بدأ من الإبداعات المتأثرة بالمرحلة التكعيبية ثم المرحلة الزرقاء ومرورا بالسريالية ، ولعل الاقتباسات المتعددة ل ” آنسات أفينون” ثم الاستعمالات المتكررة للوحة ” غارنيكا” التي رسمها سنة 1937 ليخلد بها مجزرة ارتكبها جنود ضد سكان قرية خلال الحرب الأهلية الاسبانية ، لأكبر دليل على مكانة هذا الفنان في تاريخ الفن المعاصر العالمي ومساهمته الجوهرية في خلخلة أصول الرسم التشكيلي الموروثة من عهد النهضة.