طبقية الانتماء الحزبي.. ولا طبقية الدين الإسلامي

3 يناير, 2015

hanafi   الطبقة الاجتماعية هي مجموعة من الناس الذين يحتلون نفس الموقع من علاقات الإنتاج القائمة، وتجمع بينهم نفس المصالح الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في إطار التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية القائمة. فهي إما مالكة لوسائل الإنتاج، أو مشغلة لها، أو تشرف على تنظيم عملية الإنتاج ككل. والموقع الذي تحتله طبقة معينة، هو الذي يحدد من هي تلك الطبقة؟ وهل هي طبقة بورجوازية؟ وهل طبقة بورجوازية صغرى؟ وهل طبقة عاملة؟

فعلاقات الإنتاج هي المحدد الرئيسي للانتماء إلى طبقة معينة. وهذا لا ينفي الانتماء الإديولوجي، والسياسي إلى إحدى الطبقات خارج تلك العلاقة، كما لا ينفي حالة الانتحار الطبقي، التي يترتب عنها انتماء بعض البورجوازيين إلى الطبقة العاملة، بعد تخليهم عن طبقتهم.

وتتحدد مصالح الطبقة الاجتماعية انطلاقا من طبيعة الانتماء إلى طبقة محددة.

وهذه المصالح يمكن تصنيفها في:

1) المصالح الاقتصادية التي تدعو إلى الحرص على المحافظة على المستوى الاقتصادي لتلك الطبقة، والعمل على تحسينه، انطلاقا الشروط الذاتية للطبقة الاجتماعية المعنية، أو من الشروط الموضوعية التي تعمل الطبقة المعنية على إنضاجها لصالحها.

2) المصالح الاجتماعية، التي تتناسب مع الطبقة المعينة، التي تحتل مكانة اجتماعية معينة، فتكون سائدة، أو مسودة، أو حاكمة، أو محكومة.

وتبعا لذلك تكون تلك الطبقة الاجتماعية متمتعة بمجموعة من الامتيازات الاجتماعية في مجالات التعليم، والصحة، والسكن، وغيرها، أو محرومة منها، مما يدخلها في جملة من المعاناة التي لا حدود لها.

3) المصالح الثقافية، التي تمكن طبقة معينة من وسائل التثقيف الذاتي، أو الجماعي، مما يجعلها مستوعبة للمستجدات الثقافية، ومتفاعلة معها، أو متأثرة بها، أو مؤثرة فيها، وعاملة على إشاعة قيمها على جميع أفراد المجتمع، عن طريق استهلاك إنتاجها الثقافي المجسد لمصالحها الطبقية. بينما نجد طبقات أخرى، لا تملك القدرة على امتلاك وسائل التثقيف، ولا توجد إطارات تساعدها عل ذلك، ولا تستطيع تجسيد مصالحها الطبقية عن طريق الثقافة، فتبقى بذلك ضحية الثقافة المهيمنة.

4) المصالح السياسية المتجسدة في التمكن من الوصول إلى مختلف المؤسسات المنتخبة، بوسيلة، أو بأخرى، وامتلاك قرار التشريع، والتنفيذ، من أجل وضع القوانين التي تحمي، بواسطتها، المصالح الطبقية المختلفة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، في الوقت الذي تبقى فيه طبقات أخرى محرومة من الوصول إلى مختلف المؤسسات، وبمختلف الوسائل، بما فيها وسيلة التزوير التي تصبح سلاحا ضد المقهورين، حتى يحرموا من التمثيلية في المؤسسات المختلفة، من أجل التأثير في القرارات التي تتخذها تلك المؤسسات، لتبقى بذلك محرومة من حماية مصالحها المختلفة.

وهذا التحديد، يجعلنا نتعامل مع المصالح الطبقية من منظورات متباينة، ومتكاملة في نفس الوقت؛ لأن المصالح الاقتصادية مختلفة عن المصالح الاجتماعية، وعن المصالح الثقافية، وعن المصالح السياسية. إلا ان هذا التحديد لا ينفي كون المصالح الاقتصادية وراء التمتع بمصالح اجتماعية معينة، ووراء إشاعة القيم الثقافية، واحتلال موقع سياسي معين، والعكس صحيح، أو أن الحرمان من المصالح الاقتصادية يؤدي إلى الحرمان من بقية المصالح، وهكذا…

والمصالح الطبقية، هي المعبر الفعلي عن انعدام التوازن الاجتماعي، أو عن توفير ذلك التوازن، وهو ما يعكس وجود ديمقراطية حقيقية: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، أو عدم وجود تلك الديمقراطية، التي ينتعش في غيابها الحزبوسلامي، الذي يتغلغل في صفوف الجماهير الشعبية المحرومة، وبدعم من الطبقة المستفيدة من استغلال المجتمع، حتى يعم تغييب المقهورين عن  واقعهم الذي يتوهمون، بفعل الحزبوسلامي، أن تجاوزه لا يتم إلا بعودة الذي لا يعود أبدا، تلك العودة المتمثلة في سيادة قيم التخلف، والاستبداد، واستعادة الشرائع المختلفة، وتطبيقها واعتبار كل ذلك عودة إلى “الشريعة الإسلامية”، وإلى “الإسلام”، عن طريق إقامة نظام يسميه الحزبوسلامي: “الدولة الإسلامية”، التي يتم توظيفها لإشاعة الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بقدر ما توظف لحماية مصالح المنتمين إلى تنظيمات الحزبوسلامي، التي لا تكون إلا مصالح طبقية.

والطبقة الاجتماعية لا تستطيع تنظيم حماية مصالحها الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، إلا بتنظيم نفسها في الحزب الذي يناسبها، من أجل الدفاع عن تلك المصالح، والوصول إلى مراكز القرار، لدعم تلك المصالح، وفرضها بقوة السلطة، والقانون.

ولذلك نجد أن الطبقات الإقطاعية تصطف في حزبها الطبقي، الذي تنظمه لحماية مصالح الإقطاع، وشبهه، تلك المصالح المتمثلة في استمرار استغلال الأراضي الزراعية الواسعة، بمن يعيش عليها، من فلاحين معدمين، أو عمال زراعيين، والحفاظ على نظام الامتيازات الذي يرفع مكانة الإقطاعيين في المجتمع، ويمكنهم من تكديس ثروات بدون حساب، ومن الوصول إلى السيطرة على الجماعات القروية، وتسخير مصالحها، وبمباركة السلطات الوصية لخدمة مصالح الإقطاعيين، وتمكينهم، عن طريق تلك المجالس، من الوصول إلى المؤسسة البرلمانية، ولفرض قوانين تضمن حماية مصالحهم، كما تضمن تمتعهم بمجموعة من الامتيازات على المستوى الوطني.

والطبقة البورجوازية تبني حزبها لتنظيم صفوفها، من أجل حماية مصالحها المتمثلة في استدامة ملكية وسائل الإنتاج الصناعي، والزراعي، والتجاري، والخدماتي، عن طريق الاستغلال البشع، والمنظم للشغيلة، والعمل على تنمية ذلك الاستغلال، وتعميقه، والوصول إلى المؤسسات الجماعية: القروية، والحضرية، من اجل الاستفادة منها، وتوظيفها لتحقيق مجموعة من الامتيازات التي تمكن البورجوازية من توفير البنيات التحتية، والأساسية، على حساب تلك الجماعات، لتكريس استغلالها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي للشغيلة الصناعية، والتجارية، والخدماتية، والوصول إلى مؤسسة البرلمان بغرفتيه، لوضع التشريعات المناسبة لحماية المصالح، والوصول إلى الحكومة، لفرضها على المجتمع ككل، وبقوة السلطة، والقانون.

وطبقة البورجوازية الصغرى، التي تنشئ أحزابا متعددة المشارب، ومختلفة التوجهات، لحماية مصالحها المتجسدة في الحرص على تحقيق تطلعاتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. إلا ان تذبذب هذه الطبقة، وتموجها بين اليمين، أو اليمين المتطرف، واليسار، أو اليسار المتطرف، يجعل قدرتها على حماية مصالحها لا تعرف

استقرارا، ويجعل حزبها يتعرض، باستمرار، للانقسامات الحادة، نظرا لتعدد الإيديولوجيات في صفوفها، ولعدم قدرتها على الصمود، والثبات على المبدأ. لذلك نجد أنها تقدم باستمرار على تقديم التنازلات، إلى الجهات التي تحول دون تحقيق تطلعاتها، في إطار ما أصبح يصطلح على تسميته ب”التوافق”، و”التراضي”، الذي يلغي، وبصفة نهائية كون هذه الاحزاب تستمر في رفع الشعارات التي تربطها بالشعب المغربي: أي \انها تتنكر بصفة نهائية إلى الارتباط بشرائحها الدنيا، وباقي شرائح المجتمع الكادحة، وعن طريق الكولسة مع المؤسسة المخزنية. وباسم “التوافق”، و”التراضي”، تتمكن البورجوازية الصغرى من التحكم في الجماعات المحلية، والوصول إلى المؤسسة البرلمانية، وتحمل المسؤوليات الحكومية، لا من أجل خدمة مصالح جميع شرائح البورجوازية، والمتوسطة، بل من أجل تحقيق مصالح الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، التي أصبحت مصالحها مرتبطة بالمؤسسة المخزنية، وبالبورجوازية، والإقطاع. ولذلك فهي تقدم خدمات إلى الجهات النافذة، التي لم تكن تحلم بها، مقابل قبول الالتحاق بها، كما حصل في عهد حكومة التناوب المخزني، حيث التحقت مجموعة من أحزاب البورجوازية الصغرى بالأحزاب الإقطاعية، والبورجوازية، وأصبح أعضاؤها يتمتعون بنفس الامتيازات التي تتمتع بها البورجوازية، والإقطاع.

أما الطبقة العاملة، وحلفاؤها، فيبنون حزبهم الثوري الذي يعمل، لا من أجل حماية المصلحة الطبقية للطبقة العاملة، وحلفائها، بقدر ما يحرص على النضال من أجل حماية مصالح جميع الكادحين، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وفي إطار الشفافية، والوضوح، أمام جميع الكادحين، ولا يهمه التواجد في المؤسسات، بقدر ما يهمه رفع مكانة تلك المؤسسات، مما يجعلها في خدمة الكادحين، والنضال من أجل ديمقراطية حقيقية، من الشعب، وإلى الشعب، في إطار دستور يضعه الشعب بنفسه، وإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، لانتخاب ممثلي الشعب الحقيقيين، في المؤسسات الجماعية، وفي البرلمان، والنضال من أجل تحقيق الحرية، والعدالة الاجتماعية، من أجل الديمقراطية بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. ولذلك فمصلحة الطبقة العاملة، وحلفائها، هي مصلحة الشعب، والعكس صحيح؛ لأن الطبقة العاملة، لا تستمد قوتها إلا من قوة وقيم الشعب، والعلاقة القائمة بينهما هي علاقة عضوية.

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*