بدأت السلطات المحلية بطنجة، تستعد لتنفيذ قرار الهدم، الصادرة في حق الملاهي الليلية والمطاعم المنتشرة على طول محج محمد السادس، الذي شمله مخطط إعادة ترميم وتهيئة فضاء “كورنيش” المدينة، ويدخل في إطار مشروع “طنجة الكبرى”، الذي أعطى انطلاقته الملك محمد السادس في شتنبر 2013.

وقرر المسؤولون البدء في أشغال تأهيل الواجهة البحرية لمدينة البوغاز، بتوحيد النمط المعماري لواجهات المقاهي والحانات والمراقص الليلية الممتدة من ضواحي الميناء الترفيهي الجديدي إلى فندق “موفيمبيك”، لجعلها تتناغم مع المجال البحري للمنطقة وتلاءم المعايير المعتمدة في مثل هذه الأماكن، تليه تهيئة ممرات الراجلين وتبليط الأرصفة وتهيئة المناطق الخضراء ومداخل الشاطئ، بالإضافة إلى تجديد الإنارة العمومية وعدد من الأوراش الأخرى، التي تزين “كورنيش طنجة”، وتجعله من الأماكن الأكثر استقطابا للزوار.

وخلف هذا القرار، ردود فعل متباينة، ففي الوقت الذي اعتبرت فيه فعاليات سياسية واقتصادية وجمعوية هذه الخطوة بـ “المبادرة الجريئة”، لكونها تروم تنظيم المجال وترشيحه لمواكبة البرامج والمشاريع التنموية التي تعرفها المدينة، عبر أرباب ومستخدمي المحالات التي سيشملها الهدم عن تدمرهم واستيائهم البالغين لهذه العملية، التي وصفوها بـ “القرار الانفرادي والمفاجئ”، لكونهم أخبروا بها شفهيا خلال لقاء “غير رسمي” جمعهم  بالكاتب العام لولاية طنجة، الذي أخبرهم، في آخر لحظة، بقرار السلطات المحلية دون الحديث عن حلول عملية تستجيب لمتطلبات المتضررين، وتحمي مئات الأسر التي  تعيش من دخل هذه المقاهي والملاهي الليلية المعنية.

وينتظر أن تعرف مرحلة الإخلاء والهدم ، التي يرتقب أن تبدأ في الأيام القليلة القادمة، تصادما بين السلطات المحلية وأرباب هذه المحالات، المآزرين بمستخدميهم، خاصة أنهم أعلنوا تمسكهم بسلك جميع الطرق للحفاظ على ممتلكاتهم وحقوق عمالهم المشروعة، بصفتهم مواطنين مغاربة يتوفرون على جميع الوثائق القانونية ويؤدون بانتظام واجبات الدولة من ضرائب وكراء وفواتير الاستهلاك وواجبات المستخدمين…

أرباب المراقص الليلية يرفضون الإخلاء

عدد من أرباب هذه المحالات التجارية، الذين التقت بهم “الصباح”، استنكروا طريقة التعامل التي تسلكها السلطات المحلية في شخص الكاتب العام، الذي تقمص، بحسب قولهم، شخصية محمد اليعقوبي، والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، وأصبح يملي قرارات فوقية ليست من صميم مهمته، ويتطاول على اختصاصات الجماعة، التي تربطهم بها عقود الاستغلال، بالإضافة إلى أسلوبه المبطن بالتهديد والوعيد، الذي لن يزيد المشكلة إلى تعقيدا.

وقال أحد هؤلاء، الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفا من عقاب أصحاب القرار،  إننا “مستعدون للانخراط في هذه العملية لأننا لسنا ضد المصلحة العامة، غير أننا نستنكر الطريقة التي تتم بها معالجة الموضوع، لكون القرار جاء مفاجئا وبدون سابق إخبار، حيث أن السلطات قررت بطريقة انفرادية تحديد تاريخ بداية الأشغال والهدم، دون إشراك المعنيين بالأمر في مناقشة كل العوائق والمشاكل التي يمكن أن تعترض هذا المشروع”.

وأضاف نفس الشخص، إن “القرار شابته منذ البداية مجموعة من الخروقات، فالسلطات ألزمت أصحاب المحلات بهدم محلاتهم بأنفسهم وعلى نفقتهم الخاصة، بدون أي ضمانات ملموسة، وبدون أن تحدد مدة الأشغال وتاريخ التسليم، ناهيك عن مصير المستخدمين، الذين يقدر عددهم بأزيد من ألف مستخدم، نصفهم يعمل بشكل دائم، والبقية مؤقتون يشتغلون خلال فترة الصيف وفي المناسبات.

مصير مجهول ينتظر المستخدمين

ونظرا للتوتر السائد بين مستخدمي مصطفات خليج طنجة، بسبب المصير المجهول الذي ينتظرهم نتيجة عملية إعادة هيكلة “كورنيش طنجة”، وجه هؤلاء المستخدمين رسالة إلى والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، للمطالبة بالنظر في وضعيتهم الاجتماعية الغامضة، وإنقاذهم من البطالة والضياع، نتيجة التوقف الإجباري عن العمل بسبب الأشغال التي ستطال جميع المحلات لمدة غير محددة.

وذكرت الرسالة، التي تتوفر “الصباح” على نسخة منها، أن جميع المستخدمين ليسوا ضد هذه العملية من حيث المبدأ، إلا أنهم يطالبون بإنصافهم على غرار المبادرات السابقة،  خاصة أن هذا المشروع قد رصدت له اعتمادات مالية مهمة قدرت بالملايير، ولكونهم يعانون أحوالا اجتماعية قاسية، بسبب المصاريف اليومية المرهقة والقروض البنكية الناجمة عن اقتنائهم لعقارات مكنتهم من الاستقرار مع أبنائهم وعائلاتهم المعوزة.

السلطات مصممة على تنفيذ برنامجها التنموي

أحد المسؤولين فند كل الاتهامات والانتقادات الموجهة لسلطات المحلية، وذكر أن الاتفاق تم مع ممثلي جمعية أرباب مصطفات خليج طنجة، في جلسة اقتنع خلالها الجميع بأهداف هذا المشروع، الذي يروم الرفع من القيمة الجمالية للكرونيش، والمساهمة في تأهيل النسيج الحضري للمدينة بشكل عام.

وقال المسؤول شارحا إنه “من الطبيعي أن تكون هناك ردود فعل قوية، خصوصا أن هناك خسائر كبيرة سيتكبدها أصحاب هذه المحلات، وبرغم من ذلك، فإن الأغلبية اقتنعت بالمشروع وأكدت انخراطها فيه دون أي شروط مسبقة، وأكدت مساهمتها في إعطاء إنطلاقة جديدة لتهيئة خليج طنجة بصفة عامة، وفق منظور تنموي شامل يجعل من هذه المنطقة موقعا ملائما لاستقطاب مشاريع سياحية من الطراز الرفيع، ويمكن مستقبلا من تنافسية أكبر.

وأكد نفس المسؤول، الذي كان يتحدث لـ “الصباح”، أن كل الخطوات المقترحة تم الاتفاق عليها في جلسات حضرها جل أرباب المحالات، وقال مستغربا “أتعجب عندما أسمع أن هذا المشروع تم في الكواليس، لأن الجميع كان على علم به، ولم نسجل أي اعتراض ضد الاقتراحات التي جاءت بها السلطات المحلية، بل باركها الجميع، فلماذا يحاول البعض عرقلة هذا المشروع الرائد الذي استحسنه سكان المدينة”.

واختتم المصدر حديثه بالقول إنه “يجب أن تكون لدى الجميع نظرة مستقبلية بعيدة عن المصالح الشخصية الضيقة، حتى نساهم كلنا في إيجاد برنامج وخطة عمل واضحة تتلاءم مع مشروع “طنجة الكبرى” الذي يعتبر فضاء “الكورنيش” جزء هاما منه، باعتباره وسيلة لإنعاش القطاع السياحي والدفع بعجلة التنمية الاقتصادية المحلية، وذلك دون تقدير للكلفة الجزئية والاجمالية”.

وبوزاة مع ذلك، تجري حاليا، على قدم وساق، عملية تجديد المنطقة المينائية لطنجة المدينة، وإعادة تأهيلها وتوظيفها لتصبح في أفق 2016 قبلة لعشاق الرحلات البحرية الترفيهية، ووجهة سياحية كبرى على الصعيد الدولي عامة، وعلى مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط خاصة، إذ تفيد المعطيات، التي قدمتها شركة تهيئة ميناء طنجة المدينة، أن نسبة تقدم الأشغال في المارينا الجديدة فاقت 80 في المائة، فيما وصلت نسبة انجاز المرحلة الأولى من تحويل ميناء الصيد الحالي إلى مارينا أزيد من 50 في المائة.

روبورطاج أنجزه ليومية “الصباح”: المختار الرمشي (طنجة)