ارتفعت في السنوات الأخيرة بطنجة، ظاهرة مرتدي السترات الصفراء، الذين نصبوا أنفسهم “عمدا مع سبق الإسرار” حراسا على السيارات المتوقفة بشوارع وأحياء المدينة، إلى درجة تثير الانتباه، بعد أن امتلأت المدينة بجيوش من ذوي السوابق والمنحرفين، الذين حلوا بعاصمة البوغاز من مدن ومناطق مختلفة وأصبحوا يفرضون إتاوات بشكل عشوائي وقسري على كل من اضطر إلى ركن سيارته بمكان عمومي، ما حول حياة سكان المدينة وزوارها إلى معاناة يومية حقيقية.
فمنذ بداية موسم الاصطياف، تعيش طنجة، المدينة “الميتروبولية” المفتوحة على الواجهة الأوربية، على وقع اصطدامات ومشاحنات يومية بين أصحاب السيارات ومئات من “الكاديانات” المنتشرين نهارا قبالة الشواطئ والمطاعم والأسواق الشعبية و”المولات” وكل المرافق العمومية، وليلا بجانب الفنادق والملاهي الليلية و”الكباريات” ومقاهي الشيشة وغيرها… حيث أصبح هؤلاء يحتلون الملك العمومي دون سند قانوني، ويفرضون بالقوة والتهديد تسعرة تختلف حسب الزمن والمكان، وذلك على مرأى ومسمع جميع المسؤولين.
وإذا كان حراس النهار بطنجة لهم قوانين وأنظمة خاصة بهم، فإن حراس الليل يشكلون “مافيا” منظمة تثير الرعب بالمرابد والمواقف المحاذية للمراقص و”الكباريهات”، ويتكفل عناصرها بحجز أمكان لزبنائهم المولوعين بالسهر بوضع حواجز عليها ومنع الباقين من حقهم في استغلال الأمكنة العمومية، مقابل مبالغ سخية تتراوح بين 100 و200 درهم، بالإضافة إلى تقديمهم خدمات لوسيطات الدعارة وفتيات الليل، ناهيك عن أدائهم لوظيفة “التبركيك” لفائدة الأجهزة الاستخباراتية التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني وكل المصالح المعنية.
واستغرب عدد من المتتبعين للشأن المحلي بطنجة، من تنامي ظاهرة أصحاب “الجيلي الأصفر” وعدم إثارتها في المؤسسات المهتمة بالسياسات العمومية بالمدينة، بما فيها السلطات الأمنية المحلية والهيئات المنتخبة، رغم تواتر الأخبار عن المشاكل التي يثيرونها هؤلاء المنحرفون والمدمنون على المخدرات القوية مع أصحاب السيارات الخاصة، التي تصل في بعض الأحياء إلى التهديد واستعمال القوة لاستخلاص ما يعتبرونه “واجبا”، مطالبين ببذل مجهود مضاعف لمحاربة هذه الظاهرة على غرار المطاردات المستمرة التي تشنها السلطات المحلية ضد الباعة الجائلين استجابة لشكايات المواطنين.
وشهدت شوارع وأحياء طنجة، في الآونة الأخيرة، عدة اصطدامات ومشاحنات بين أصحاب السيارات وأشخاص يرتدون سترات صفراء يسمون أنفسهم حراس السيارات، ويفرضون على المواطنات والمواطنين إتاوات تحت طائلة العنف والتهديد، مقابل السماح لهم بركن سياراتهم بأماكن من المفروض أن يخضع تدبيرها لمجالس الجماعات الترابية، انتهت بعضها بمخافر الشرطة، وكانت آخرها الأسبوع الماضي، حينما منع أحد الحراس العاملين بشارع خليج طنجة (بجوار مقهى مشهور بالمدينة) أحد المواطنين من ركن سيارته في مكان مخصص للعموم، بعلة أنه محجوز لشخص آخر، ليتطور الأمر إلى مشدات كلامية كادت أن تتحول إلى ما لا يحمد عقباه.
وأسفر الحادث عن تقديم شكاية في الموضوع إلى رئيس الدائرة الحضرية الشرف امغوغة بطنجة، تقدم بها مسير المقهى المذكور، الواقعة بالشارع المحاذي لحديقة منتزه “فيلا هاريس”، وذكر فيها أن (الكادرديان) المعتدي يعمل لفائدة صاحب الرخصة، الذي يشتغل تحت إمرته الكثير من الأشخاص “المشبوهين” ممن يمارسون الكثير من السلوكات المخالفة للقانون، ويقومون بحجز أماكن الوقوف لفائدة مالكي السيارات الفارهة، الذين يغدقون عليهم بمبالغ تصل الى 100 درهم، ويمنعون أصحاب السيارات عادية من الوقوف، لأنهم سيؤدون في أفضل الحالات 5 دراهم، وهو سلوك يهدد النظام العام ويمس بالسمعة السياحية لمدينة طنجة، بحسب الشكاية.
وأكد المشتكي، أن هذا الاعتداء ما هو إلا سلسلة من الاعتداءات التي يمارسها الحراس العاملون بالمنطقة، الذين يتصرفون كأنهم المالكون لهذه الشوارع، ويواجهون أي شخص انتقد طريقتهم بالعنف اللفظي والاعتداء الجسدي، وذلك لترهيب المواطنين حتى يشعرون بعدم الأمان والخوف على سلامة سياراتهم.
وينتظر الرأي العام المحلي ما ستسفر عنه التحقيقات الجارية في الموضوع، والإجراءات المتخذة في حق صاحب الرخصة، الذي يتوفر على عدة رخص تحصل عليها بطرق غامضة، ويقوم بتنصيب ذوي السوابق والبلطجية حراسا بها، حيث تحول إلى زعيم شبكة تحكم سيطرتها على العديد من الشوارع والساحات العمومية بوسط المدينة، إذ سبق له أن تهجم على رئيس مقاطعة مغوغة بالسب والقذف دون أن تطاله المحاسبة، مدعيا أنه يتوفر على “حصانة” تعفيه من أي متابعة.
المختار الرمشي (الصباح)