تعاني شوارع طنجة، في السنوات الأخيرة، من اختناقات مرورية متفاقمة، خلقت حالة من التذمر والسخط لدى المواطنين، وأثرت سلبا على حركية السائقين المهنيين ومردوديتهم، وامتدت تداعياتها لتربك عمل الأجهزة الأمنية وتعرقل تدخلاتها الميدانية، في وقت تستعد فيه المدينة لاحتضان تظاهرات دولية كبرى، تتطلب بنى تحتية متطورة ومجهزة وفقا للمعايير الدولية المعمول بها، ما يطرح سؤال الجاهزية ويستعجل تدخلا متعدد الأطراف لتصحيح المسار.
يعيش سكان عاصمة البوغاز وزوارها معاناة حقيقية نتيجة فوضى السير والجولان بشوارع المدينة، التي تشهد يوميا اختناقات مرورية حادة تزداد حدتها في أوقات الذروة وعطلات نهاية الأسبوع، وتخلف معاناة واسعة لدى السائقين، سواء المهنيين أو أصحاب السيارات الخاصة، الذين يواجهون يوميا مشاهد الازدحام والتأخر والارتباك، في ظل ضعف التنسيق بين المتدخلين المعنيين وغياب بدائل عملية ناجعة، تعيد للمدينة صورتها الجميلة كوجهة سياحية واقتصادية.
وتصل الأزمة ذروتها أيام العطل حينما ترتفع وتيرة التنقلات نحو المدينة المعروفة بجاذبيتها السياحية، إذ بقيامك بجولة قصيرة لشوارع طنجة تلاحظ صعوبة التنقل بين الشوارع الرئيسة والفرعية، التي تشهد ازدحاما مروريا تصل حدته في بعض الأحيان إلى توقف حركة السير بشكل كلي، بينما يجبر الراجلون على السير وسط الطريق نتيجة استيلاء المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية على الأرصفة وحولتها إلى ملك خاص، الأمر الذي جعل الموضوع محط انتقاد متواصل من قبل مختلف الفاعلين والمتدخلين.
مواطنون ومهنيون مستاؤون
وفي هذا الصدد، عبر مواطنون عن تذمرهم من الفوضى التي تعم شوارع المدينة، مشيرين إلى أن الوصول إلى مقرات العمل أو المرافق الإدارية بات يتطلب وقتا مضاعفا، في ظل غياب حلول ناجعة، وضعف بدائل النقل الجماعي، واحتلال الأرصفة من قبل المقاهي والمركبات المركونة بشكل عشوائي.
وذكر إدريس المرابط، مستخدم في القطاع الخاص بطنجة، أنه يضطر يوميا إلى الخروج من منزله قبل ساعة ونصف من موعد استئناف العمل، فقط لتفادي الازدحام الذي يشل حركة السير بين مختلف أحياء المدينة، ويضيف بقوله “حتى لو حاولت ركوب حافلة، فإن المدة قد تطول بسبب بطء السير وغياب خطوط مباشرة، مما يضاعف من معاناة المستخدمين في المقاولات والإدارات والطلبة“.
واعتبر عدد من المهنيين في قطاع النقل، خاصة سائقي سيارات الأجرة الصغيرة (طاكسي)، الذين يشتغلون بشكل يومي بشوارع عاصمة البوغاز، أن السياقة في ظل هذه الظروف صارت مرهقة، مبرزين أنهم يجدون صعوبة كبيرة في التنقل بأغلب شوارع المدينة، ويتعرضون للمشاجرات مع الزبائن، ناهيك عن الحوادث التي تتسبب في توقفهم عن العمل.
وقال يوسف الفقيهي، الكاتب الإقليمي لمكتب نقابة سائقي سيارات الأجرة بطنجة، إن “الوضع لم يعد يحتمل، إذ أصبحنا نقضي نصف الوقت عالقين في الطوابير، خصوصا عند الكورنيش ومدار مرجان وبني مكادة أو بلاصا طورو”، مضيفا بنبرة غاضبة إن “الزبائن يشتكون من التأخر، ونحن نضيع الرحلات ونستهلك الوقود دون مردود… إنها خسارة يومية حقيقية“.
ويرى المسؤول النقابي أن مسؤولية الازدحام لا تتحملها البنية التحتية وحدها، بل هناك أسباب أخرى تساهم في الاختناق المروري بالمدينة، من أبرزها اختلالات التخطيط، وغياب بدائل حقيقية للتنقل، مشددا على ضرورة تطوير النقل العمومي، وتوسيع شبكة الحافلات وزياد وتيرتها، بالإضافة إلى دعم مشاريع “الترامواي” أو الحافلات الكهربائية، وتشجيع وسائل النقل الذكية، وإحداث شرطة مرور رقمية تعتمد على الكاميرات والمراقبة عن بعد.
جهاز الأمن متدمر
المعاناة لا تقتصر على المهنيين والمواطنين فقط، بل تطال كذلك مصالح الأمن الوطني، التي تبذل جهودا مضاعفا لتدبير وتنظيم حركة السير داخل المدينة، من خلال تكثيف الدوريات وانتشار فرق المرور عند النقاط السوداء، وتنفيذ حملات منتظمة لتحرير الملك العمومي، إلا أن الضغط المرتفع على المحاور الطرقية خلال فترات الذروة يتجاوز في بعض الأحيان قدرات التدخل الميداني.
ولم يخف مسؤول أمني تذمره من الضغط اليومي المتزايد خلال الفترات الصباحية والمسائية، التي تشهد تدفقات هائلة على وسط المدينة ومداخلها، وكذا خلال عطلات نهاية الأسبوع والمناسبات الرسمية، ما يشكل عائقا حقيقيا في مواكبة كل نقاط التوتر في الأوقات الحرجة، مشيرا إلى أن رجال الأمن المكلفين بتنظيم المرور يجدون أنفسهم في كثير من الأوقات مرغمين على التعامل مع سلوكيات غير متعاونة، واحتجاجات مستمرة من المواطنين، بل وأحيانا في مواجهة حالات شغب لفظي أو تهور مروري يهدد سلامة الجميع.
وقال المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن الاختناق المروري الذي تعرفه طنجة لم يعد يرتبط فقط بارتفاع عدد العربات، بل يعزى أيضا إلى عدم احترام قانون السير من طرف عدد من السائقين، والاكتظاظ غير المنظم قرب المؤسسات التعليمية والأسواق والمناطق الصناعية، مشددا على ضرورة تعزيز التنسيق مع باقي المتدخلين، وعلى رأسهم الجماعة الترابية والسلطات المحلية، من أجل معالجة الخلل من جذوره، بما في ذلك مراجعة بعض تصاميم الطرق وإعادة تنظيم حركة السير في المحاور التي تعرف ضغطا مستمرا.
مخاوف وتحذيرات
في ظل هذا الوضع، حذر عدد من المهتمين بالشأن المحلي من تداعيات استمرار تدهور وضعية السير والجولان، خاصة أن المدينة مقبلة على استضافة تظاهرات رياضية عالمية، من قبيل كأس إفريقيا للأمم 2025، وكأس العالم 2030، ما يجعل من ملف التنقل الحضري أحد المؤشرات الأساسية في تقييم جاهزية طنجة.
وذكر محمد الشرقاوي، فاعل جمعوي، أن اللجنة المشتركة لمونديال 2030 زارت المدينة أخيرا، ووقفت على عدة اختلالات ضمنتها في تقارير رسمية، من أبرزها مشكل الاكتظاظ الطرقي، داعيا إلى تدارك هذا الخلل قبل فوات الأوان.
وأضاف الشرقاوي أن “الرهان اليوم لم يعد فقط تحسين انسيابية المرور، بل حماية صورة طنجة كوجهة دولية، وهو ما يفرض رؤية شاملة لإصلاح منظومة التنقل، تجمع بين الهندسة، والتقنيات الذكية، والسياسات التحفيزية، مع إشراك المواطن في تبني ثقافة التنقل الذكي واحترام القوانين“.
الجماعة تتحرك
في محاولة لتفسير أسباب الأزمة المرورية بطنجة، قالت سمية العشيري، نائبة رئيس المجلس الجماعي لطنجة، إن “الجماعة واعية بما تعانيه المدينة من ضغط مروري متزايد نتيجة النمو الاقتصادي والديموغرافي والتوسع العمراني المضطرد، وهو أمر استدعى التفكير بجذية في السبل الكفيلة لتنظيم حركة السير والجولان داخل المدينة، مشيرة إلى أن الجماعة بصدد إعداد مخطط للتنقل الحضري الذكي والمستدام، يأخذ بعين الاعتبار حاجيات طنجة الكبرى في أفق 15 سنة.
وأوضحت العشيري أن الدراسة ستحدد مكامن الخلل على مستوى الطرق والنقل العمومي ومواقف السيارات بطنجة الكبرى ومحيطها الترابي، بهدف جعل طنجة “ميتروبول حقيقي” بمعايير دولية تضاهي بجدارة كبريات المدن الأوربية على مستوى التهيئة العمرانية والخدمات المقدمة للساكنة.
وأضافت المستشارة أن الجماعية تواصل تنزيل البرامج الهيكلية لتأهيل شبكة الطرق داخل المجال الحضري لطنجة، وتستعد لتفعيل قرارات تخطيط حدود الطرق العمومية، التي سبق المصادقة عليها في إطار دورة استثنائية، وتشمل مسارات طرقية تمت دراستها ضمن رؤية ترابية شاملة، تروم تحسين انسيابية التنقل وتوسيع محاور الولوج، بما يتلاءم مع متطلبات النمو الديمغرافي والحركية اليومية داخل المدينة.
المختار الرمشي (الصباح)