تعيش تعاونية “كولينور” لجمع الحليب وتوزيعه بتطوان، وضعا كارثيا نتيجة سلسلة من المشاكل والفضائح المتعلقة بالتسيير والتدبير، التي أدت في السنوات الأخيرة إلى انتكاسة في أنشطتها المتعلقة بعملية التجميع والتسويق، وعرفت تراجعا ملموسا في رقم معاملاتها بنسبة تقارب 60%، الشيء الذي جعل وضعيتها المالية “صعبة وحرجة” توحي بأنها أصبحت قريبة من عتبة الإفلاس والإغلاق…
وأجمع كل المتتبعين للعمل التعاوني بالمنطقة، أن “كولينور”، التي أنشئت سنة 1972 ويشمل نشاطها الاقتصادي الأقاليم الشمالية بما فيها تطوان والعرائش وشفشاون ووزان، ويمتد إلى حوض اللوكوس بالقصر الكبير والقنيطرة، (أجمعوا أنها) تمر بأزمة خانقة وتسير على خطى عدد كبير من التعاونيات التي أعلنت إفلاسها وشردت آلاف العمال، نتيجة للفساد الذي يعم داخل تركيبة المجلس الإداري للتعاونية، الذي يفتقد إلى الصبغة القانونية، ويضم أعضاء عديمي الخبرة في ميدان التسيير، بالإضافة إلى غياب الجهات الوصية وعدم تدخلها لإيقاف “مؤامرة” النهب والتخريب، التي ضاعت معها ملايير الدراهم وجعلت مئات الفلاحين والمستخدمين يدخلون في دوامة من اليأس والإحباط.
تعاونية بمجلس غير قانوني
جملة من الحقائق والأسرار المثيرة، كشف عنها منخرطو ومستخدمو التعاونية بإقليم العرائش، الذين أكدوا أن المجلس الإداري يوجد في وضعية غير قانونية، وأن المؤسسة فقدت صفة التعاونية لعدم ملائمة قانونها الأساسي مع مقتضيات وأحكام القانون الجديد رقم 112/12 المتعلق بالتعاونيات.
وأوضحت نفس المصادر، أن رئيس التعاونية يتهرب من إجراء تعديلات على النظام الأساسي وملاءمته مع القانون الجديد، الذي تسعى مقتضياته إلى تعزيز آليات الرقابة المالية عبر إحداث لجنة يعهد إليها بالمراقبة والتدبير، وكذا تحديد شروط الانتماء إلى التعاونية وطريقة تشكيل مجالس الإدارة وانتخاب أعضاء مكتب التعاونية، وهي أحكام يؤدي تطبيقها مباشرة إلى فقدان الرئيس للأغلبية التي يتوفر عليها حاليا داخل المجلس الإداري.
وضعية مالية صعبة وحرجة
لم يعد أحد يعرف ما يقع بالضبط في تعاونية الحليب “كولينور”، إذ في الوقت الذي تكبدت فيه التعاونية، بحسب تقرير مجلس الإدارة لسنة 2017، خسائر قدرت قيمتها بأزيد من 18 مليون درهم، وهي مطالبة بتسديد مبلغ يفوق 17 مليون درهم للمديرية العامة للضرائب، بعد المراجعة الضريبية التي خضعت لها التعاونية عن السنوات الحسابية 2007 و2008 و2009 و2010، نجد أن أسطول التعاونية وآلياتها وإدارييها ومهندسيها في تزايد مستمر، ما جعل جل المنخرطين يعتبرون أن هذه الأزمة “مصطنعة”، ويراد بها تعويم التعاونية وإغراقها في الديون لتصفيتها وضمها لشركة مقربة من أصحاب القرار.
هذه الوضعية الصعبة والحرجة، يقول أحد المنخرطين، تنعكس بالدرجة الأولى سلبا على الوضع الاجتماعي للمنخرطين، الذين يفرض عليهم تخفيض ثمن الحليب من 3,60 درهم للتر إلى 2.50 للتر، بحجة المحافظة على التوازن المالي للتعاونية وملائمة الإنتاج مع متطلبات السوق، وهي إجراءات تلجأ إليها التعاونية باستمرار خلال الفترة التي تعرف زيادة في إنتاج الحليب، وعندما يفوق الفائض طاقتها.
استياء عارم في صفوف الفلاحين
فلاحو “كولينور” أعربوا عن تدمرهم واستيائهم الكبيرين جراء الأوضاع التي آلت إليها تعاونيتهم، وطالبوا توضيحا بالأرقام للخسائر التي تكبدتها التعاونية والكشف عن مسبباتها وتداعياتها، مشددين على ضرورة الاستعانة بالمجلس الأعلى للحسابات للوقوف على كل الاختلالات المالية، وفتح تحقيق قضائي ومتابعة كل من تبث تورطه في التلاعب بأموال التعاونية، والذين ساهموا في وصول التعاونية إلى هذه الحالة المزرية التي توجد عليها الآن.
كما أكدوا أن التعاونية أضحت، في السنوات الأخيرة، صندوقا أسودا للمعاملات المالية المشبوهة، خاصة فيما يتعلق ببيع الأعلاف المدعمة والأبقار المستوردة، التي يستفيد منها فقط الرئيس وأتباعه بدون حسيب ولا رقيب، بالإضافة إلى الاختلاسات وخيانة الأمانة وفبركة الجموع العامة ووجود العديد من الموظفين الأشباح، ناهيك عن الصفقات المشبوهة وتوظيف الأبناء والأشقاء والأصهار، ومنح رخص توزيع المنتوج للأتباع والمقربين، الذين اغتنوا على حساب عرق المساهمين والعمال الذين بفضلهم قامت هذه التعاونية.
احتجاجات صاخبة للمستخدمين
عمال التعاونية، وأغلبهم منضوون تحت لواء نقابة الإتحاد المغربي للشغل، خاضوا سلسلة من الإضرابات والوقفات الاحتجاجية لمطالبة المسؤولين بالحفاظ على المكتسبات التي حققوها خلال السنوات الماضية، والعمل على صرف مستحقاتهم الشهرية ومنحهم السنوية في توقيتها المعتاد، مع احترام المساطر التأديبية وإشراك مناديب العمال في المجالس التأديبية.
وبحسب مصدر نقابي، فإن الأوضاع النقابية داخل التعاونية قد تراجعت بشكل خطير، وتتعرض للتضييق والحصار والمنع، بسبب تداخل الجانب التدبيري بالحسابات السياسية، مبرزا أن الإدارة شرعت في تنفيذ خطط تهدف إلى تخريب التعاونية، في أفق السطو عليها وتحويلها إلى شركة، بغرض ضرب مكتسبات المنخرطين والعمال، الذين يفوق عددهم 1700 مساهما و700 مستخدما.
المختار الرمشي (الصباح)