خلفت جريمة قتل طفل في عمر الزهور لا يتعدي عمره 7 سنوات، صدمة كبيرة وردود فعل غاضبة لدى كافة سكان مدينة العرائش والمناطق المجاورة، وبين قطاع عريض من رواد العالم الافتراضي، الذين واكبوا على شبكات التواصل الاجتماعية أحداث هذه الجريمة منذ اختفاء الطفل المجنى عليه “محمد علي” إلى حين العثور على أجزاء من جثته (الجسد والرجلين) داخل مطرح للنفايات، قبل أن تسفر الأبحاث والتحريات عن العثور على باقي الأجزاء (الرأس واليدين) داخل ثلاجة بمنزل أب الضحية وزوجته الثانية، لتنتشر بعد ذلك صور الطفل كالنار في الهشيم على صفحات الفايسبوك والواتساب وعدد من المواقع الإلكترونية، وكذا صور الأب وزوجته المشتبه في ارتكابهما لهذه الجريمة، التي تعد من أقسى ما يمكن أن تسمعه أذن البشر أو تراه عيناه، نظرا لبشاعتها وطريقة تنفيذها.
بداية القصة
كل شيء كان عاديا في حياة الطفل/الضحية، الذي كان يعيش ببيت جدته رفقة أمه، التي افترقت عن أبيه منذ خمس سنوات لأسباب عائلية، إلى حدود الساعة الحادية عشر والربع من صباح السبت الماضي، عندما تأخر الطفل عن موعد عودته من المدرسة، التي لا تبعد على منزل الجدة سوى بأمتار معدودة، وحامت الشكوك حول أسباب تأخره، لتبادرت الأم بالاتصال بطليقها هاتفيا من أجل إخباره بالموضوع.
الوالد (حسن.أ)، الذي يشتغل نادلا بمطعم للوجبات السريعة وسط المدينة، استجاب للطلب وذهب مباشرة للمدرسة من أجل الاستفسار عن ابنه، حيث أخبره الحارس بأنه غادر المؤسسة كالعادة رفقة أصدقائه، ليطلب من طليقته التوجه للدائرة الأمنية لإخبارها عن اختفاء ابنيهما، والعمل على نشر إعلان في الموضع عبر شبكة التواصل الاجتماعي، وهو ما نفذته الأم أملا في العثور على فلذة كبدها.
وبعد انتشار الخبر بين أساتذة مدرسة الشريف الإدريسي، التي كان يدرس بها الضحية، تدخلت على الخط جمعية آباء التلاميذ، التي نظم أعضاؤها، يومي السبت الأحد، حملة بحث واسعة بأحياء المدينة، وتمكنوا من مراجعة أشرطة الكاميرات المثبتة بواجهات المحالات التجارية المتواجدة بالحي، التي أظهرت إحداها الضحية لحظة عودته من المدرسة، فيها وثقت أخرى وجود زوجة والده وهي تتجول بالحي في نفس التوقيت، ما دفع بأفراد الجمعية لطلب لقاء مع رئيس الأمن الإقليمي، الذي استمع إليهم وأمر عناصر الشرطة القضائية بتعميق البحث في الموضوع.
العثور على جثة مفصلة
وبعد مرور ثلاثة أيام عن اختفاء الطفل، توصلت المصالح الأمنية مساء الاثنين الماضي، بإخبارية تفيد بأن عمال النظافة عثروا على أطراف جثة مرمية بين ركام الأزبال بالمطرح العمومي الواقع بحي المنار (غرب المدينة)، لتلتحق بالمكان السلطة المحلية وعناصر الأمن التي هرعت إلى المكان بكل مكوناتها، حيث عملت الفرق العلمية والتقنية على إجراء مسح للمكان قبل أن تعمل عناصر الوقاية المدنية على وضع الجسد في كيس بلاستيكي أسود والرجلين المفصلين في كيس آخر لنقلها إلى مستودع الأموات الجماعي بالمدينة.
وللتأكد من علاقة الطفل المختفي بأجزاء الجثة التي عثر عليها بالمطرح المذكور، استدعت المصالح الأمنية كل من الأب والأم والجدة من أجل المعاينة والتعرف، حيث أكد الوالد أنها لا تعود لابنه، فيما تعرفت عليه الأم منذ الوهلة الأولى بناء على “شامة” خلقية بصدره، بالإضافة إلى ظفر مريض برجله اليسرى، لتسقط الأم مغما عليها وسط القاعة.
إثره توجهت عناصر الشرطة إلى منزل الأب، المتواجد بنفس الحي الذي تقطنه الأم، وأجرت تفتيشا دقيقا بداخله أسفر عن العثور عن محفظة الضحية، قبل أن تتفاجأ بوجود الرأس وأطراف الجثة مدسوسة داخل الثلاجة، لتقوم باعتقال الأب وزوجته واقتيادهما إلى مقر الشرطة للتحقيق معهما في النازلة.
نتاج التحقيق
بناء على بحث أولي باشرته فرقة الشرطة القضائية بالمدينة مع الزوجين، تبين أنهما متورطين في قضية القتل العمد بواسطة السلاح الأبيض والتمثيل بجثة الضحية، ليتم وضعهما تحت تدبير الحراسة النظرية على خلفية البحث القضائي الذي تشرف عليه النيابة العامة المختصة، وذلك من أجل تعميق البحث معهما للكشف عن جميع ظروف وملابسات هذه القضية، وتحديد كافة دوافعها وخلفياتها الحقيقية.
وبحسب بلاغ أصدرته المديرية العامة للأمن الوطني، فإن إجراءات البحث مكنت من الاشتباه في ضلوع زوجة أب الطفل الضحية في ارتكاب هذا الفعل الإجرامي داخل مسكن العائلة، مستعملة سكينا في اقتراف الجريمة والتمثيل بالجثة، مشيرا (البلاغ) إلى أن الأبحاث والتحريات تتواصل لتحديد مدى تورط الأب في المساهمة أو المشاركة في هذه الجريمة.
تدوينة مثير لزوجة الأب
أثارت تدوينة مثيرة نشرتها، خلال شهر شتنبر الماضي، زوجة الأب (فردوس)، على صفحتها بـ “الفايس بوك”، (اثارت) جدلا واسعا بين سكان المدينة، الذين اعتبروها دليلا على تورطها في قتل الطفل “محمد علي” والتنكيل بجثته.
ودعت الزوجة المتهمة، التي تبلغ من العمر 31 سنة، من خلال تدوينتها، إلى كسر الملل وتحصيل الشهرة بارتكاب جريمة قتل، حيث اعتبرها البعض إرهاصات لشخصية فتاة مضطربة نفسيا، فيما اعتبرها آخرون مجرد تدوينة ساخرة .
وقالت الزوجة في منشورها “عزيزتي الفتاة، تشعرين بالملل وتريدين أن تصبحي مشهورة اكسري الروتين و جربي شيئا مختلفا، جربي القتل واقتلي من تكرهين ومن تحبين، دعينا نراك على شاشة التلفاز، وهكذا ستصبحين شخصية مشهورة”، مختتمة تدوينتها بالقول “مع السلامة، عجبتني الفكرة وسأجربها، انتظروني في نشرة الأخبار”.
احتجاجات السكان
تظاهر، مساء أول أمس (الثلاثاء)، عشرات من سكان حي “الناباص” بوسط العرائش، ومجموعة من تلاميذ وأولياء أمور مدرسة الشريف الادريسي بنفس الحي، تنديدا بالجريمة الشنيعة التي راح ضحيتها الطفل “محمد علي”، الذي وجدت جثته، الاثنين الماضي، مفصلة بعد اختفائه مدة ثلاثة أيام.
وجاب المتظاهرون، في مسيرة احتجاجية شوارع الحي انطلاقا من منزل جدة الضحية، رافعين صور الهالك وشعارات تعبر عن سخطهم من هول الجريمة، وتطالب بتوقيع أقصى عقوبة على المتورطين (الأب وزوجته)، والحكم عليهما بالإعدام، منددين في نفس الوقت بتماطل السلطات الأمنية في البحث عن الطفل أثناء فترة اختفائه.
كما عبر كثير من المتفاعلين عن ألمهم وصدمتهم إزاء ما وقع للطفل، مبدين تخوفهم من عودة جرائم قتل الأطفال إلى الواجهة، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية بالمدينة في الآونة الأخيرة، مبرزين أن احتجاجهم يهدف بالأساس إلى تحسيس الآباء والأمهات بالمخاطر الإجرامية المحيطة بأبنائهم ، لحملهم أخذ المزيد من الحيطة والحذر.
المختار الرمشي (الصباح)