مع تسجيل أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد بالمغرب، مارس الماضي، والإعلان عن حالة الطوارئ الصحية في جميع ربوع البلاد لمنع تفشي هذا الوباء الخطير، شلت معظم الأعمال التجارية القانونية وغير القانونية بعاصمة البوغاز، وتحولت المدينة صاخبة بفنادقها المصنفة وحاناتها وعلبها الليلية إلى مدينة أشباح، بعد أن اختفت من شوارعها بائعات الهوى ومقدمات الخدمات الجنسية بمختلف طبقاتهن، اللائي وجدن أنفسهن ملزمات بالتوقف عن “العمل” الخروج من منازلهن إلا للضرورة ومن أجل شراء الغذاء أو الدواء أو التطبيب…
فباستثناء بعض المجالات التجارية والقطاعات الحيوية الضرورية، التي واصلت تقديم خدماتها للمواطنين بطريقة مقننة، عرفت أقدم مهنة في التاريخ كسادا غير مسبوق، نتيجة تبعات هذا الوضع الاستثنائي الفريد، والتزام سكان المدينة بالتدابير الصحية وحالة الطوارئ التي فرضتها الدولة لمواجهة فيروس كورونا المستجد، إذ توقف عن “العمل” ما يزيد عن مائة ألف ممن يشتغلون في مجال الجنس وينشطون في المجالات المرتبطة به، كالفنادق والشقق المفروشة والحانات والعلب الليلية وقاعات التدليك، بالإضافة إلى سائقي سيارات الأجرة ومحالات بيع الخمور وغيرها…
ووفقا لبعض التقديرات، فإن عدد اللواتي يمتهن الدعارة بالمدينة بصفة رسمية يفوق 20 ألف مومس، من بينهن قاصرات، بينما يصل عدد اللائي يمارسن الدعارة في فترات مختلفة من أجل إطعام أنفسهم أو أطفالهم أو دفع الفواتير الكراء والماء والكهرباء، إلى 60 ألف فتاة لا تتعدى أعمارهن في الغالب 35 سنة، ناهيك عن آلاف الأشخاص ممن ينشطون في سلسلة الخدمات الليلية، الذين وجدوا أنفسهم أمام وضع صعب بعد أن تراجعت أنشطتهم وفقدوا زبائنهم المعهودين بسبب “كورونا اللعين” وقوانين حالة الطوارئ الصحية، التي تم بموجبها منع السواح من دخول البلاد وإقفال جميع فضاءات الأنس وأماكن الترفيه في وجه روادها، الذي اضطروا إلى الاكتفاء بخلق النشاط داخل بيوتهم ومع عائلاتهم.
في المقابل، ازدهرت خلال هذه الفترة تجارة المخدرات بالمناطق الشمالية، وشكل الحجر الصحي فرصة مواتية أمام شبكات الاتجار وترويج المخدرات بشتى أصنافها فرصة لاستقطاب متعاطين جدد وجني المزيد من الأرباح، إذ عرف استهلاك الشيرا والهيرويين والكوكايين والأقراص المهلوسة إقبالا لافت للانتباه بين شباب المدينة، برغم ارتفاع أثمانها إلى مستويات قياسية بسبب قلة العرض وتضخم الطلب.
ونشطت حركة الموزعين بشكل كبير بعد دخول قوانين حالة الطوارئ الصحية حيز التنفيذ، خصوصا في بني مكادة “موح باكو” وسوق الداخل والمصلى وكاسبراطا… وهي أحياء انتشر فيها عدد من المروجين الصغار وباعة التقسيط، الذين كانوا يستقبلون سيارات زبنائهم المدمنين لتسليمهم حاجياتهم من المخدرات، ويتصرفون وكأنهم في جزيرة معزولة.
المختار الرمشي (الصباح)