يقف المغاربة على مشارف العطلة الصيفية، التي ظل الجميع يحلم بها منذ أن هبت عاصفة فيروس كورونا على العالم، ومعهم قطاعات متعددة ظلت هي الآخر تحلم بعودة الحياة إلى طبيعتها، بعد أن تكبدت خسائر مالية فادحة وأضرارا متعددة الأبعاد جراء تدابير الطوارئ الصحية التي فرضتها الحكومة للحد من مخاطر تفشي هذا الوباء القاتل، لا سيما بعد إغلاق الحدود وتوقف حركة النقل الجوي والبحري بصفة شاملة.
وكباقي مدن المملكة، عاشت طنجة، منذ اكتشاف المغرب لأول حالة إصابة بفيروس “كوفيد 19″، وضعا استثنائيا صعبا أثر بشكل كبير وبمستويات كارثية على قطاعات مختلفة، من بينها قطاع السياحة والأنشطة الخدماتية المرتبطة به، بما فيها الفندقة ووكالات الأسفار والنقل السياحي وتأجير السيارات… إذ رغم كل الجهود التي بذلها المهنيون في مواجهة التغيرات الناجمة عن أزمة “كورونا”، عاش القطاع حالة جمود تامة، باستثناء فترة صيف السنة الماضية (2020)، التي حقق خلالها القطاع انتعاشة بنسبة 60 في المائة.
وبعد أن عرفت الحالة الوبائية بالمغرب نوعا من الاستقرار وبدأت الحياة تعود تدريجيا إلى طبيعتها جراء الإعلان عن التخفيف من القيود والإجراءات المرتبطة بكورونا المستجد، تعبأت جل القطاعات الإنتاجية والخدماتية بالمنطقة الشمالية من أجل الانخراط في عملية التعافي بطريقة مستدامة، والعودة للعمل بالمستويات المعتادة التي طال انتظارها، وذلك ضمن خطة حكومية تسعى إلى إنعاش الاقتصاد الوطني ومحو الآثار السلبية المترتبة عن فيروس كورونا المستجد.
عروض تنافسية لإنعاش السياحة
منذ الإعلان عن التخفيف من تدابير حالة الطوارئ الصحية، وضع مهنيو قطاع السياحة بجهة طنجة تطوان الحسيمة خطة استعجالية وتصورات مقرونة بخطوات إجرائية، تمت بمشاورة مختلف الفاعلين والمهنيين، الذين انخرطوا دون شروط في تعبئة شاملة عبر حملات دعائية على منصات التواصل الاجتماعي، من أجل تسويق وإبراز مؤهلات الجهة السياحية والطبيعية للمغاربة في الداخل والخارج، وتأكيد استعدادهم لإجراء تخفيضات تشجيعية لتحفيز السياحة الداخلية، التي تشكل، بالنسبة لهم، رافدا أساسيا وعاملا مؤثرا في دوران عجلة الاقتصاد المحلي.
ووقعت الجمعيات المهنية الممثلة للفاعلين في قطاعات مختلفة، من بينها وكالات الأسفار والجمعية الجهوية للصناعة الفندقية وشركات النقل السياحي وتأجير السيارات… اتفاقية تتضمن برنامجا يحتوي على مجموعة متنوعة من العروض الجذابة، بما في ذلك النقل والإقامة وجولة في المدينة، وحددوا لها أسعارا في متناول جميع المواطنين وتتكيف مع سوق السياحة الوطنية، وذلك لتقوية “علامة جهة الشمال”، وحث السياح على الإقبال على استهلاك المنتوجات السياحية المغربية.
الشقق المفروشة.. حنين إلى الماضي
لم تقتصر تداعيات كورونا على نشاط الفنادق والملاهي والحانات وسيارات الأجرة بعاصمة البوغاز، بل امتدت لتطال الشقق المفروشة، التي يمتلكها بعض المواطنين ويعدونها لاستقبال الزبناء الراغبين في قضاء الإجازة الصيفية بالشواطئ المتوسطية، إذ عرف هذا القطاع الواسع كسادا غير مسبوق وحرم فئات عريضة من الرواج والحركية.
وتحسر عبد السلام، صاحب وكالة عقارية بطنجة، على الزمن الجميل، الذي كانت فيه المدينة تعج بآلاف الزوار، الذين يحلون من جميع ربوع المملكة لقضاء عطلهم، ويلجأون للشقق السياحية لأسعارها المناسبة وما يجدون فيها من حرية قد تنعدم في الفنادق، مبرزا أن المدينة عاشت شهورا عصيبة بسبب تقييد حركة تنقل المواطنين وتشديد المراقبة، وهو ما أدى إلى ركود غير مسبوق أثر على السياحة والإقبال على اكتراء الشقق المفروشة، التي كانت تشكل مورد رزق وفير لمئات الأسر، وفرصة سانحة قصد الهروب من جحيم البطالة بالنسبة لشريحة عريضة من الشباب.
واستبشر عبد السلام خيرا من قرار تخفيف القيود المرتبطة بوباء كورونا واستئناف الأنشطة الاقتصادية، مؤكدا أن جميع الوكالات العقارية بالمدينة ومعهم ملاك الشقق السياحية والوسطاء تلقوا القرار بفرح كبير، وعادوا إلى ممارسة نشاطهم من جديد، بعد أن بدأت طلبات كراء الشقق تنهال عليهم من طرف أسر مغربية وعدد من أبناء الجالية المغربية المقيمة في الخارج، الذين يرغبون في قضاء بضعة أيام بمنتجعات شمال المملكة، حيث الهدوء والسكينة وسحر الشواطئ المتوسطية.
قطاع سيارات الكراء يقلع من جديد
كباقي القطاعات والمهن المرتبطة بالسياحة، التي تأثرت من جائحة كورونا بشكل كبير، عاد سوق سيارات الكراء بمدينة طنجة ليسترجع نشاطه المعهود، وانتعش بشكل لافت منذ الإعلان عن التخفيف من تدابير حالة الطوارئ، لدرجة أصبحت معها جل وكالات الكراء عاجزة عن مسايرة حجم الطلبات التي تتلقاها يوميا وتفوق بشكل كبير العرض المطروح.
وأكد عدد من أصحاب وكالات كراء السيارات بالمدينة، أن القطاع انتعش انتعاشة واضحة خلال الأسابيع الأخيرة وصار الطلب على كراء السيارات في ارتفاع متزايد، إلا أن الظروف الصعبة التي عاشها القطاع تزامنا مع فترة الجائحة، أرخت بضلالها على مهنيي القطاع، حيث اضطر أغلبهم إلى تقليص حظيرة سياراته للتخفيف من أعباء الأزمة التي تسببت فيها جائحة كورونا، وهو ما يفسر قلة العرض أمام الطلب المتزايد، وأدى إلى ارتفاع أسعار كراء السيارات مقارنة مع السنوات الماضية.
وأوضح أحدهم، أن قطاع كراء السيارات تحكمه العديد من المعيقات، لعل من أبرزها ارتفاع أسعار التأمين على المسؤولية المدنية، إلى جانب الزيادات الكبيرة في الأقساط الشهرية الخاصة بقروض شراء العربات الموجهة للكراء، بالإضافة إلى انعدام التنظيم والعشوائية، مشددا على ضرورة ترسيخ قيم التضامن وتبني سياسة سياحية موجهة، من أجل جعل القطاع أكثر استدامة وقدرة على الصمود.
المختار الرمشي (الصباح)