“البوفا”.. مخدر قوي يغزو مدن الشمال

“البوفا”.. مخدر قوي يغزو مدن الشمال

19 يوليو, 2023

تفاقمت في السنوات الأخير بالمدن الشمالية، خاصة طنجة، آفة الإدمان على المخدرات واستهلاك كل مشتقاتها الخطيرة، بما فيها المركبة كيماويا، التي انتشرت، في الآونة الأخيرة، بشكل مخيف بين فئة الشباب والمراهقين، وامتدت إلى داخل المؤسسات التربوية بالمدينة، سواء العمومية أو الخصوصية، ما أثار قلقا ومخاوف كبيرة لدى جمعيات مهتمة بمكافحة  الإدمان والوقاية من تعاطي المخدرات بالمدينة، وكذا أولياء التلاميذ والأطر الإدارية والتربوية، الذين دقوا ناقوس الخطر ، وأكدوا أن الحالة في غاية من القتامة والسوداوية.

ولعل من بين أخطر أنواع المخدرات التي باتت تهدد الصحة العقلية والنفسية لشريحة واسعة من الشباب والمراهقين، نجد مخدر “البوفا”، أو ما يطلق عليه في أوساط متعاطيه بـ”كوكايين الفقراء”، الذي أصبح يعرف، في السنوات الأخيرة، إقبالا متزايدا بين فئة الشباب والمراهقين، خاصة المدمنين منهم، بسبب رخص ثمنه وتأثيراته المنشطة السريعة، كالشعور بالنشوة والحيوية والارتياح الجسدي والإحساس بالزيادة في مستويات الطاقة.

معامل سرية لتصنيع “البوفا”

علمت “الصباح” من مصادر موثوقة أن المادة الخام لمخدر “البوفا”، الذي اكتشفت لأول مرة بالولايات المتحدة الأمريكية وتعرف باسم “الكراك”، يتم تهربها إلى داخل التراب المغربي عن طریق عصابات التهريب الدولي للمخدرات، وتستورد على شكل حجرة “كريستال” لامعة، قبل أن يتم تحويلها، في معامل سرية، إلى أصناف جديدة بإضافة مواد كيماوية خطيرة، تتكون في الغالب من فتات وبقايا الكوكايين “الديشي”، ومادة الأمونياك وأنواع من الحبوب المهلوسة، من أجل تخفيض ثمنها وجعلها في متناول الجميع، حيث يتم تسويقها من قبل شبكات منظمة في جل المدن المغربية الكبرى، وذلك أمام أنظار رجال السلطة، ما يضع علامة استفهام حول شبهة التواطؤ لتغطية هاته الجريمة النكراء، التي مست شرائح كبيرة من المدمنين الفقراء.

وأجمعت كل الفعاليات الحقوقية ناشطة في مجال محاربة المخدرات بطنجة، أن مشتقات مخدر البوفا”، التي تستعمل عن طريق الاستنشاق مثل “الشيشة”، تعتبر من أشد أنواع المخدرات المنتشرة في المغرب لما ينطوي عليها من مخاطر قد يترتب عنها تدمير الجهاز العصبي المركزي، وتؤدي أحيانا إلى الشعور بنزعات الانتحار لدى مدمنيها، خاصة في فئة التلاميذ والأطفال الذين يسهل استمالتهم والتغرير بهم من قبل تجار الممنوعات.

 شهادات صادمة لمدمدني “البوفا”

اتضح من خلال لقاءات أجرتها “الصباح” مع عدد من الشباب الذين يتعاطون لمخدر “البوفا” بطنجة، أن كل المدمنين يقبلون على هذا المخدر الخطير بسبب سعره المنخفض، إذ يتراوح ثمنه بين 50 و150 درهم للغرام الواحد، وهو ما أكده الشاب عثمان (28 سنة)، الذي بدأ يتعاطى لـ “البوفا” في بداية الأمر رغبة منه في اكتشاف الإحساس الغريب الذي تحدث عنه بعض أصدقائه، إلا أن مفعوله السريع، الذي يبدأ بعد 5 دقائق من تناوله ويمنح النشوة والقوة الذهنية والجسدية، دفعه لشراء جرعات أخرى إلى حين أن أصبح مدمنا وغير قادر على الاستغناء عنه.

شهادة أخرى أكدت فيها مدمنة تبلغ من العمر 47 سنة، أن رحلتها مع المخدرات ابتدأت من لفافات الحشيش (جوانات)، لتنتقل بعدها إلى الهروين والكوكايين قبل أن تكتشف مخدر “البوفا”، وذكرت أنها قضت سنين طويلة في الإدمان قبل أن تلجأ إلى التسول من أجل شراء مخدر من أي نوع لكي يخفف عنها آلامها المزمنة.

وقالت المدمنة، التي رفضت الكشف عن هويتها، إني “قضت نصف عمري تقريبا وأنا مدمنة على جميع أنواع المخدرات، بعد أن غادرت منزل أسرتي وأنا في العشرينيات، حيث خالطت عددا من الناس غالبيتهم كانوا يتعاطون للمخدرات القوية، فسقطت في شراك الإدمان، لأتوجه في النهاية إلى مركز معالجة الإدمان بالمدينة وبدأت العلاج بوساطة “الدواء البديل”، وقد بدأت أتعافى شيئا فشيئا، إلا أن الماضي ظل لصيقا بي وخلق لي مشاكل في حياتي، وأعتقد أن الحل يكمن في إيقاف جميع التجار ومروجي هذه السموم، لأنه مادامت المخدرات متواجدة في الأسواق فإن عدد المدمنين سيزداد لا محالة”.

 فعاليات حقوقية تدق ناقوس الخطر

لفت نشطاء حقوقيون وجمعويون الانتباه مؤخرا إلى انتشار ظاهرة تعاطي مخدر “البوفا” بشكل واسع بين فئة الشباب والمراهقين، وما صاحب ذلك من بروز ظواهر إجرامية لم تكن موجودة من قبل، مثل الاعتداء على الأصول والفروع واغتصاب الأطفال وغيرها من الجرائم الخطيرة…

وذكر محمد الطيب بوشيبة، الفاعل الحقوقي والمنسق الجهوي لمنظمة “ماتقيش ولدي” بجهة طنجة تطوان الحسيمة، أن عدد المتعاطين للمحذر في تزايد مستمر بالمدن الشمالية، خاصة طنجة، التي تحولت في الآونة الأخيرة إلى عاصمة للاتجار في جميع أنواع المخدرات، بما فيها “الشيرة” والأقراص المهلوسة والكوكايين والهروين، بل تعدى ذلك إلى مخدرات قوية تصنع محليا، كـ “البوفا” و”الكودايين”، الشديدة المفعول وذات السعر المنخفض، مؤكدا أن أخطر الجرائم مرتبطة باستهلاك وتعاطي الشباب لهذا النوع من المخدرات القوية المركبة كيماويا، التي صارت، في الآونة الأخيرة، تهدد استقرار عدد من الأسر والمجتمع بصفة عامة.

 وشدد بوشيبة، في حديث مع “الصباح، على ضرورة تنسيق الجهود بين السلطات الأمنية والمجتمع المدني والمؤسسات التربوية والاجتماعية والصحية المختصة في محاربة الإدمان، وتكثيف الحملات التوعوية وسط الشباب والمراهقين من أجل التعريف بمخاطر الإدمان على المخدرات بصفة عامة، ووضع حد لوتيرة العنف في الحياة اليومية.

المختار الرمشي (الصباح)

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*