في عمق الجنوب الشرقي للمغرب، وتحديدا بإقليم طاطا، تواصل حرفة تقليدية عريقة ت عرف بـ”السقف الطاطاوي” شق طريقها بصعوبة في مواجهة النسيان، باعتبارها فنا معماريا متفردا يجمع بين الإبداع اليدوي والوظيفة الجمالية والرمزية.
هذه التقنية الموروثة عن الأجداد تعتمد على محيطها الواحي من خلال استعمال جذوع النخيل وخشب الأركان وألياف الحلفاء (ألياف نباتية قصيرة وصلبة من نبات الحلفاء)، في تنسيق دقيق يمنح السقوف لمسة زخرفية مميزة تستلهم أشكالها من الطبيعة والهندسة الإسلامية والرموز الأمازيغية الأصيلة.
ويشكل هذا السقف علامة بارزة في هوية المنازل الطاطاوية والقصور العتيقة، حيث يجمع بين الصلابة والقدرة على مقاومة الحرارة من جهة، وبين الزخرفة والنقش اليدوي من جهة أخرى، إذ يظهر هذا التوازن في طريقة ترتيب الأخشاب بتقاطع منتظم، مع إدماج خطوط هندسية وزخارف بسيطة تضفي على السقف لمسة فنية أصيلة.
ولا يقتصر “السقف الطاطاوي” على كونه غطاء للبنايات الطينية التقليدية، بل يتعدى ذلك ليصبح رمزا ثقافيا يعكس التوازن بين الفضاءات وروحانيتها، لاسيما في الزوايا والمساجد والمنازل العتيقة التي ما تزال شاهدة على براعة الصانع المحلي.
أما وظيفيا، فيوفر هذا المعمار عزلا طبيعيا يحمي سكان المنازل من حرارة الصيف الحارقة وبرودة الشتاء، ما يعكس عبقرية الإنسان المحلي في التكيف مع محيطه البيئي عبر حلول مستمدة من التراث.
ومع ذلك، فإن هذه الحرفة تواجه اليوم تحديات جمة تهدد استمراريتها، أبرزها عزوف الأجيال الصاعدة عن تعلمها، وتراجع الطلب نتيجة التحولات العمرانية.
ووعيا بأهمية هذا الموروث، استفادت الحرفة من برنامج “الكنوز البشرية الحية”، وهي مبادرة مشتركة بين منظمة اليونسكو ووزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، تهدف إلى نقل المهارات التقليدية إلى الأجيال الجديدة عبر التكوين الميداني.
وفي هذا الإطار، خضع عشرات الشباب لتكوين مكثف دام تسعة أشهر على يد المعلم الحرفي أحمد باحسين، شمل ورشات عملية لترميم مبان تراثية بكل من طاطا وواحات درعة.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أوضح المعلم أحمد باحسين، أن السقف الطاطاوي ي نجز باستعمال أعواد الدفلى والخشب، ويزين بألوان ثلاثة هي الأحمر، الأسود، واللون الطبيعي للمواد، مضيفا أن النقوش التي تزينه تتنوع بين “عين الحجلة”، “الصندوق” و”الريش”، وهي رموز تقليدية محملة بدلالات ثقافية عميقة.
وأكد أن رغبته في نقل هذه المعارف للشباب تنبع من قناعته بأن الحفاظ على هذا التراث مسؤولية جماعية تهم المجتمع بأكمله.
من جانبهم، عبر عدد من الشباب المستفيدين من البرنامج عن اعتزازهم باكتساب هذه المهارات، معتبرين أن تعلم “السقف الطاطاوي” لا يمثل فقط صونا لهوية المنطقة وإرثها الثقافي، بل يشكل أيضا فرصة لخلق قيمة اقتصادية محلية، من خلال إدماج هذا الفن التقليدي في مشاريع السياحة البيئية والمعمار المستدام.
وبين تحديات الحاضر وطموح المستقبل، يظل “السقف الطاطاوي” شاهدا على عبقرية الإنسان الطاطاوي وقدرته على تحويل مواد بسيطة من بيئته المحلية إلى إبداع معماري خالد، يستحق أن يجد مكانه في ذاكرة الأجيال القادمة وفي دينامية التنمية المستدامة بالمنطقة.