الذكاء الاصطناعي في الطب والكفاءة البشرية.. رهان التوازن

الذكاء الاصطناعي في الطب والكفاءة البشرية.. رهان التوازن

25 سبتمبر, 2025

تواجه الممارسة الطبية في زمن الذكاء الاصطناعي تحدي الموازنة بين الاستفادة من تقنياته المتطورة في تجويد الرعاية الصحية، ورهان الحفاظ على الكفاءة المهنية البشرية في التشخيص، وحمايتها من الضمور جراء الاعتماد المفرط أو الكلي على الأدوات الذكية.

وفي هذا الصدد، قال البروفيسور يونس أحلال، أخصائي المسالك البولية التناسلية وجراحة الأورام والجراحة الروبوتية بالمستشفى الجامعي بنيس (فرنسا)، إن هناك خطرا في أن يعتمد بعض الأطباء بشكل مفرط على الذكاء الاصطناعي، سيما المبتدئين منهم، مما قد يضعف مهاراتهم السريرية.

وأوضح الأخصائي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الحل يكمن في إدماج هذه الأدوات بشكل تدريجي في التكوين الطبي، بحيث يظل الطبيب قادرا على العمل دونها، ويستخدمها كأداة دعم وليس كبديل.

ولم يفت خبير الجراحة الربوتية التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم حاضرا في التشخيص المبكر للأمراض (سرطانات، أمراض القلب..) عبر تحليل الصور الطبية بدقة عالية تفوق العين المجردة، وفي التخطيط العلاجي عبر اقتراح بروتوكولات مناسبة لكل مريض، فضلا عن دوره الكبير في الجراحة الروبوتية المتمثل في تحسين دقة الحركات ودعم الجراح أثناء العملية.

وأبرز في السياق ذاته، أن استعمال التكنولوجيا الذكية في المجال الطبي يقلل من الأخطاء، ويسرع التشخيص، ويحسن اتخاذ القرار، موضحا أنه في الجراحة الروبوتية مثلا، يحلل الذكاء الاصطناعي المعطيات باستمرار أثناء العملية، مما يساعد الجراح على التدخل بدقة أكبر ويمنح المريض نتائج أفضل.

ورغم المزايا المبهرة للذكاء الاصطناعي في الطب، نفى البروفيسور أحلال إمكانية أن تعوض هذه التقنيات الطبيب، لكون العلاقة الإنسانية والأخلاقية، والقدرة على اتخاذ قرارات معقدة تبقى بيد الإنسان، ليقتصر دورها على المساعدة في التشخيص والمراقبة وإنجاز بعض الإجراءات البسيطة والمتكررة، توفيرا لوقت أطول للطبيب للاهتمام بالمريض.

ومن جانبه، أكد البروفيسور يوسف الفقير أخصائي الأشعة، وخبير في الصحة الإلكترونية والسياسات الصحية، في حديث مماثل، أن الذكاء الاصطناعي يشكل خطرا إذا اعتبر”عكاز ا” يعفي الممارسين المبتدئين من اكتساب التفكير السريري السليم، مؤكدا أن الاعتماد المفرط عليه قد يضعف مهاراتهم في التفكير النقدي والتحليل.

وأظهرت دراسات حديثة مخاطر الاعتماد المستمر على تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات التشخيص، حيث سجلت نتائجها تراجع معدل رصد الأورام من قبل الأطباء عند إجراء الفحوصات دون استخدام التكنولوجيا الذكية مما يدق جرس إنذار لمستقبل الممارسة الطبية.

ولتجنب ذلك، أكد البروفيسور الخبير في الصحة الإلكترونية على ضرورة الحفاظ على تدريس الأساسيات، كعلم العلامات (sémiologie)، والاستدلال التشخيصي ( raisonnement diagnostique)، والنهج السريري (démarche clinique) وتأطير الأطباء الشباب من قبل ممارسين ذوي خبرة، بحيث يبقى الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة لا وسيلة مستسهلة.

وخلص إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح، يجعل منه أداة تعليمية فعالة، تسمح للأطباء، خصوصا المبتدئين منهم، بمقارنة تشخيصاتهم بتلك التي تقترحها الخوارزميات، وبالتالي التقدم بشكل أسرع.

وحول انفتاح المغرب على الذكاء الاصطناعي الطبي، أكد الجراح الروبوتي أحلال “أن بلادنا بدأت تخطو خطوات مهمة في هذا المجال، سواء على مستوى الصحة الرقمية أو في تبني الروبوت الجراحي”.

وأشار إلى أن هناك وعيا متزايدا بأهمية الذكاء الاصطناعي لتطوير الخدمات الصحية، وقال “نحن نعمل مع عدة مؤسسات على إدماج هذه التقنيات تدريجيا، بما يعود بالنفع على المرضى وعلى المنظومة الصحية بأكملها”.

وبدوره، أكد البروفيسور الفقير، في السياق نفسه، أن المغرب يمر حاليا بمرحلة انتقالية، يتزايد فيها الاهتمام الأكاديمي بالذكاء الاصطناعي في الجامعات ومراكز المستشفيات الجامعية، مؤكدا وجود مشاريع تجريبية في مجالات الأشعة والأورام وأمراض القلب.

وأضاف أن مستوى الاعتماد يتسم بالسرعة، في القطاع الخاص، سيما في مجال التصوير الطبي، مدفوعا بالمنافسة التكنولوجية والاستثمار في المعدات الحديثة.

وأشار، في المقابل، إلى أنه في جزء كبير من المهن الطبية، لا تزال التصورات حذرة، نظرا لنقص التكوين وضعف الوعي بالفوائد الملموسة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي.

وتابع خبير السياسات الصحية، أن “انفتاح المغرب في هذا المجال حقيقي وواقعي، ولكن يجب أن يكون مصحوبا ببرامج تعليم مستمر؛ يستوعب معه كل ممارس إمكانات الذكاء الاصطناعي وحدوده، وإطار قانوني وأخلاقي مطمئن، مع بناء ثقة متبادلة بين الأطباء والمرضى والمؤسسات”.

وعلى مستوى مراقبة وتنظيم ممارسات التقنيات الذكية ، أبرز المتحدث نفسه، الدور المحوري والهيكلي الذي ينبغي أن تضطلع به اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، في نشر الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية في المغرب، وضمان استخدام البيانات الطبية – وهي من بين أكثر البيانات حساسية – في إطار يحترم مبادئ السرية والأمن وموافقة المريض المستنيرة، “بعيدا عن أي نشاط تجاري “طبي” ينظمه فاعلون أو مجموعات غير مصرح لها”.

وأضاف أنه “في ظل غياب وكالة للصحة الرقمية والذكاء الاصطناعي، ينبغي على الهيئة العليا للصحة، تطبيق لوائح صارمة لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وكذلك الصحة الإلكترونية بشكل عام، لحماية المواطنين من أي انحراف نحو أغراض موجهة نحو الربح فقط”.

وخلص إلى أنه يجب ألا ينظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه تهديد، بل كأفق مستقبلي قادر على إحداث تحول إيجابي في نظام الرعاية الصحية في المغرب، شريطة أن يتم دمجه بحذر وتنظيم وإنسانية.

ودعا إلى ضرورة إنشاء هيئة وطنية متخصصة مسؤولة عن تنظيم ومراقبة وتعزيز مختلف جوانب الصحة الإلكترونية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، في الرعاية الصحية، وذلك بالتنسيق مع وزارة الصحة والهيئة العليا للصحة، من أجل ضمان حماية المرضى، وجودة الممارسات، وتشجيع الابتكار، مع وضع المغرب في دينامية الصحة الرقمية العالمية.

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*