أسدل الستار، أول أمس السبت، على فعاليات الملتقى الثالث للتصوف بتطوان الذي تنظمه سنويا جمعية درر للتنمية والثقافة، والتي تمحورت هاته السنة حول “أعلام الصوفية في الغرب الإسلامي”، وذلك أيام 21 و22 و23 يونيو الجاري.
وتميز الملتقى بندوة علمية مساء الجمعة 22 يونيو، بمركز سرفانطيس (الذي كان شريكا للجمعية في الملتقى)، أطرها كل من الباحث منتصر حمادة، والدكتور محمد كنون الحسني رئيس المجلس العلمي بطنجة، والباحث في شؤون التصوف وأستاذ اللغة العربية بجامعة اشبيلية الدكتور “بابلو بينيطو”، كما ساهم في تأطيرها كل من الأستاذين خالد البقالي القاسمي وعبد اللطيف البازي.
وانصبت المداخلة الأولى للدكتور محمد كنون الحسني حول موضوع “ابن سبعين وسؤال الأخلاق”، إذ اعتبر المتدخل أن “التصوف أخلاق وسلوك ودرجة عليا من العبادة، وبأنه لا يمكن تصور متصوف خارج الأخلاق، بما يعني ذلك من تحكم في هوى النفس والغرائز”، مضيفا “أن بعض المتصوفة من بنوا تصوفهم على التربية والسلوك: “الوجود ينفعل بالجود”، وبكون “دواء كل داء يكمن في العطاء”.
كما تطرق الدكتور الكنوني، وبإسهاب، إلى سيرة ابن السبعين (614ه -669ه) الذي تميزت حياته بالمواجهات الفكرية رغم كون معظم مؤلفاته لم تنشر، وكذا باضطهاد الفقهاء له الذين ذهبوا إلى حد تكفيره.
من جهته، تناول الأستاذ والباحث منتصر حمادة مدير مجلة “أفكار” في مداخلته “تحديات العمل الصوفي” التي تظل تلك “التي تطال الذات الصوفية في تفاعلها مع حظوظ النفس تكمن في الرضوخ للإغراءات”، وهو تحد يرافق كل الأزمنة، لكن في عصرنا الراهن، فاعتبر منتصر حمادة أن الصوفية تواجه تحديات المحيط القريب، ويعني بها المحاضر مجمل التحديات المرتبطة بالخطاب الديني بشكل عام، سواء كان خطابا دينيا وعظيا، أو خطابا دينيا سياسيا، أو خطاب صادر عن مشروع إسلامي فكري إيديولوجي”.
وبصفة عامة، يقصد المتدخل بمجمل تحديات المحيط القريب “لائحة واسعة من أنماط التدين خصوصا الحركي منها التي تتسبب في مشاكل عديدة، أبرزها تغذية ظاهرة الإسلاموفوبيا بالمجتمعات الغربية”.
أما التحدي الثاني، فهو يتعلق بما أسماه منتصر حمادة بـ”تحديات المحيط البعيد”، ويعني بها “التحديات المشتركة ما بين المجتمعات البشرية جمعاء”، والتي يلخصها في “الفلسفات المادية المعادية للإنسانية والرأسمالية المتوحشة والديانات الرقمية المعادية للديانات”.
من هنا، خلص الباحث منتصر حمادة إلى أنه “يتعين على العقل الإسلامي الصوفي مساءلة الذات الصوفية عن طبيعة المفاتيح النظرية التي يمكن أن تساعد المسلمين وغير المسلمين على مواجهتها”.
وفي الختام، دعا المحاضر إلى “رد الاعتبار لروح الدين وأخذ مسافة من التدين الطقوسي الذي يهيمن بشكل لافت على الخطاب الديني”، معتبراً أنه “ليس صدفة أن اعتناق الإسلام في أوروبا يتم غالبا عبر بوابة “الإسلام الصوفي”. كما أن “نتائجه مختلفة كما ونوعا مقارنة مع اعتناقه عبر باقي أنماط التدين، ومنها التدين السلفي الوهابي “التقليدي و”الجهادي”.
بدوره، سعى المتدخل الثالث المحاضر الإسباني الدكتور “بابلو بينيطو” إلى الاقتراب وتناول المسار المتميز لأقطاب الصوفية في الغرب الإسلامي بصفة عامة وللأندلسيين منهم بشكل خاص، حيث قدّم ضمن هذا الإطار نظرة دقيقة ومسهبة عن إرث كل من ابن مسرة وابن العريف والشاذلي وابن العربي والشاذلي وابن السبعين والششتري، مبرزا ومقارنا في نفس الآن خصوصية الصوفية في الغرب الإسلامي مقارنة مع المشرق.
كما أكد المحاضر على البعد الكوني لفكر وتراث الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي، وما خلفه من تراث روحي زاخر لا زال حاضرا ومؤثرا إلى يومنا هذا، ليس فقط في العالم العربي والإسلامي، بل حتى في مجموعة من الأقطار الغربية التي يخصص فيها باحثون متخصصون دراسات وبحوث وأطاريح حول مؤلفاته الغزيرة.
وتميّز اليوم الأول من الملتقى بسهرة فنية أحيتها كل من الفرقة الإسبانية “Paniagua” رفقة فرقة الفنان التطواني أمين الشعشوع، والتي قدمت وصلات من موسيقى العصور الوسطى بالأندلس، مصحوبة بقراءات باللغة الإسبانية لشعراء أندلسيين؛ أمثال ابن عربي والشستري وابن مسرة نالت استحسان وإعجاب الجمهور الحاضر، الذي وفد جزء منه من الإسبان والمغاربة القاطنين بسبتة السليبة.
من جهتها، أكدت رئيسة الجمعية نجلاء الوزاني التهامي أن الدورة الثالثة لملتقى التصوف بتطوان، والتي تحمل عنوان “أعلام الصوفية في الغرب الإسلامي”، هي “تكريم لأئمتنا الصوفيين الأجلاء الذين خلفوا تراثا وضاءا وإشعاعا وهاجا ينير سبل المريدين والمشتاقين إلى حقيقة المحبة وجوهر اليقين”، موجهةً شكرها لكافة مدعمي الملتقى وساهم في إنجاحه.