خيم شبح مقالع الأحجار بشكل مقلق ومخيف على سكان جماعة الزينات، التابعة لقيادة بن قريش بإقليم تطوان، بعد أن منحت السلطات الإقليمية، أخيرا، رخصة استغلال جديدة لشركة متخصصة في بناء الطرق والقناطر، ليرتفع العدد إلى خمسة مقالع متجاورة، تبعد عن بعضها بحوالي 500 متر فقط، ما أقلق راحة سكان المنطقة ونغص حياتهم، ودفعهم إلى رفع وثيرة احتجاجاتهم المطالبة بتدخل السلطات الإقليمية والجهوية والمركزية لحماية الطبيعة والبشر، بعد أن تحولت حياتهم إلى جحيم جراء زحف الغبار على منازلهم وفوق مئات الهكتارات من المناطق الفلاحية والغابوية، وتسبب في تلوث وجفاف الآبار والعيون ونفوق الأبقار والأغنام والدواب والدواجن، وأمراض خطيرة أصابت جل السكان، لاسيما فئة الأطفال والنساء والعجزة.
وأكد سكان جماعة الزينات (حوالي 15 كلم عن تطوان)، عزمهم مواصلة احتجاجاتهم إلى حين الاستجابة لمطالبهم المشروعة، ووضع حد للتخريب والدمار الذي يطال منازلهم وأراضيهم الفلاحية، وكذا ماشيهم ودوابهم المعرضة لخطر النفوق، ورفع الأمراض والأوبئة التي تصيب أطفالهم ونسائهم وشيوخهم، بسبب تجاوزات أصحاب هذه المقالع، التي نصبت فوق رؤوسهم بتزكية رسمية من المسؤولين بعمالة تطوان، وتواطؤ بعض المنتخبين المفروض فيهم حماية الجماعة.
ويواصل سكان الدواوير المجاورة للمقالع المذكورة، وقفاتهم الاحتجاجية واعتصاماتهم اليومية أمام مقر الجماعة للتعبير عن معاناتهم مع التفجيرات المتواصلة، التي تجري داخل مقالع لا تبعد عن منازلهم إلا بأمتار معدودة، وكذا أصوات الآليات ومحركات الشاحنات، التي لا تتوقف ليلا ونهارا وتحدث رعبا وفزعا يطالان الأطفال الصغار والنساء والعجزة، ناهيك عن الغبار الذي يتسلل إلى منازلهم وداخل غرف نموهم، ويتسبب لهم في أمراض خطيرة كأمراض الحساسية والعيون والجهاز التنفسي (الربو)، وكذا أمراض جلدية مزمنة عجز الأطباء عن تشخيصها ومعالجتها.
كما تسببت هذه المقالع في تدهور بيئي وأضرار الحادة للمجال الطبيعي، الذي يتعرض لتدمير ممنهج، جراء زحف التصحر وانجراف التربة وتشويه جمالية جبال المنطقة، ناهيك عن انعكاسات هذا الخراب على الأغراس وحقول زراعة الحبوب التي تراجعت محاصيلها، إضافة إلى زيادة مخاطر الفيضانات خلال الأيام المطيرة.
تواطؤات وخروقات:
قيل ونشر الكثير حول استغلال مقالع جماعة الزينات، ولتقريب الصورة أكثر، قامت “الصباح” بجولة ميدانية للمنطقة، والتقت بعدد من السكان المحليين، الذين كشفوا عن مجموعة أخرى من الخروقات والتجاوزات، التي لا تحتاج إلى مرشد أو خبير للوقوف عليها، ناتجة عدم إخضاع هذه المقالع للمراقبة وعدم إلتزام مستغليها لدفتر التحملات، لاسيما في المجال البيئي، الذي وصل إلى مرحلة كارثية جراء تزايد عدد المقالع بالمنطقة بشكل يدعو إلى التساؤل حول عملية الترخيص لها دون احترام المساطر القانونية والإدارية المنظمة، وعدم احترامها لحقوق الساكنة واستشارة المواطنين فيما يخص الأضرار والمنافع الناجمة عن إقامتها وسط السكان.
فمجرد أن تطأ قدماك أرض الجماعة، وفي طريقك إلى مكان تواجد المقالع المذكورة، تستقبلك شاحانات متعجرفة تسير بسرعة جنونية، وهي محملة بأطنان من الحجارة والحصى تفوق الكميات المرخص بها، غير مبالية بقانون السير ومعايير السلامة، وبدون غطاء وقائي محكم، متسببة في تخريب الطرقات بفعل حمولتها، ونشر سحب من الغبار تحجب الرؤية، ما يلزم السائقين أخذ كل الاحتياطات اللازمة التي تؤمن السلامة أثناء القيادة.
وعند وصولك لموقع الكارينات المعنية، يتبين لك بالواضح عدم احترام دفاتر التحملات الخاصة بهذا المجال، لا من حيث التسييج ونصب المرشات المائية لوقف زحف الغبار المنبعث بشكل مزعج على المنازل السكنية المجاورة والأراضي الغابوية والفلاحية، بالإضافة إلى قصور على مستوى تطبيق مدونة الشغل، حيث نجد عمال المقالع من أبناء المنطقة يعملون مياومين كالعبيد، ولا يتوفرون لا على تغطية صحية ولا تأمين على الحوادث، في حين يتم جلب اليد العاملة التقنية والمتخصصة من خارج الإقليم.
تجاوزات أخرى خطيرة جدا تتعلق بعدم احترام العمق المحدد للمقالع، وما تسببه من انفجارات في المسارات المائية الباطنية وتخريب الفرشة المائية، وهو ما سجل في أحد مقالع المنطقة، حيث تم تدمير خط مائي تحت أرضي يغذي المداشر المجاورة، نتيجة التفجيرات العشوائية وعمليات الحفر التي تتم بواسطة جرافات لتكسير الأحجار وآليات ضخمة تشتغل طيلة الأسبوع دون احترام مواقيت العمل، وتقوم برمي الحجارة العملاقة من أعلى الجبل إلى أسفل المقلع، ما يعتبر انتهاكا لحقوق السكان وحرمانهم من الراحة والأمن والطمأنينة.
تدليس ونهب لمستحقات الجماعة
الجميع هنا يتحدث بمرارة عن الامتيازات التي يتمتع بها أثرياء غرباء على حساب أبناء المنطقة، التي تتعرض للنهب في ظل تواطؤ الجهات المسؤولة وتسترها عن الكميات الحقيقية المقتلعة من الحجارة والحصى، وعدم احتساب عدد الشحن، والتلاعب في قيمة الإتاوات المترتبة على الكميات المصرح بها، إذ بمقارنة بسيطة بين وتيرة مرور الشاحنات المحملة بالرمال والصخور والمداخيل المعلن عنها، يتبن بالواضح حرمان الجماعة وذوي الحقوق من مداخل هامة قد تكون كفيلة بتفعيل آليات التنمية المحلية والجهوية.
وقال أحد المتضررين، إن “السكان لم يجنوا من هذه “الكريانات” سوى الضجيج والأمراض، لأن عقد الكراء وقعه ممثل الجماعة السلالية في ظروف غامضة بدون موافقة السكان، إذ لا أحد يعلم قيمته السنوية، كما أن صندوق الجماعة محروم من مداخيل هامة نتيجة التصريحات المغلوطة بخصوص كميات الصخور المستخرجة، بل حتى الكميات المصرح بها، وعلى ضآلتها، غالبا ما تكون هي كذلك عرضة للتدليس، وبذلك يصبح النهب مزدوجا، وكله لصالح حفنة من الأشخاص تستفيد من امتيازات واقتصاد الريع، وهي استفادة على حساب حاضر ومستقبل أجيال المنطقة.
انتفاضة سكان متدمرين
ما يثير للاستغراب بهذه المنطقة، هو أنه رغم احتجاجات السكان واعتصاماتهم المتكررة، ومناشدتهم كل الجهات المعنية، محليا وجهويا و مركزيا، من أجل تدارك الوضع ورفع الأضرار المحدقة بهم، ظل الوضع على ما هو عليه نتيجة عدم اهتمام القائمين على الأمور ولا مبالاتهم اتجاه تظلمات الساكنة، بل الأذكى من ذلك، تمت معاقبتهم بإضافة مقلع جديد، رخص له، في ظروف “مشبوهة”، المدير الإقليمي للتجهيز بتطوان دون الرجوع للقانون الجديد رقم 27/13 المتعلق بنظام استغلال المقالع، ودون إعطاء أي اعتبار لتعرضات السكان، التي بلغ عددها 300 توقيع موثق بسجلين مخصصين لتلقي الملاحظات، تم ارسالهما من طرف مكتب الضبط بجماعة الزينات إلى قيادة بنقريش (إقليم تطوان) بتاريخ 24 غشت 2020 تحت عدد346 سنة 2020 .
وأكد كل المتتبعين للوضع بالمنطقة، أن الترخيص للمقلع الجديد سيساهم لا محالة في رفع وثيرة التوتر والاحتجاجات، التي من شأنها أن تأتي على الأخضر واليابس، لاسيما بعد أن كشفت الأيام الأخيرة عن تواطؤ مشترك بين الجماعة والسلطات الوصية في شخص عامل الإقليم ووالي الجهة، وعدم قيامهم بالدور المنوط بهم، المتمثل في الرقابة وإلزام هذه الشركات والمستغلين باحترام دفاتر التحملات، والمساهم في ورش التنمية المحلية بتعزيز المداخيل المالية للجماعة.
نظام استغلال المقالع
يستند القانون الجديد لاستغلال المقالع رقم (27/13)، على ثلاثة مبادئ رئيسية تتمثل في تبسيط مساطر الاستغلال، وحماية البيئة، وتكثيف المراقبة.
ومن أهم المقتضيات التي جاء بها القانون الجديد، الذي تمت المصادقة عليه في إطار مقاربة تشاركية وتوافقية مع المهنيين والقطاعات الوزارية المعنية، إخضاع جميع أنواع المقالع لبحث عمومي وإجراء دراسات، قبل الترخيص لها، لمعرفة تأثيرها على البيئة، وإحداث لجنة على مستوى كل عمالة أو إقليم يرأسها العامل لتتبع استغلال المقالع والقيام بعمليات مراقبة، وإقرار عقوبات إدارية وجنائية على مستغلي المقالع الذين لا يحترمون مقتضيات هذا القانون وشروط الاستغلال.
المختار الرمشي (الصباح)