نظم مركز عوارف للفكر والمعرفة، الجمعة الماضي، لقاء علميا بمقر المجلس العلمي المحلي لمدينة طنجة حول موضوع “منظومة القيم الأخلاقية في الفكر الصوفي”، وعرف حضور ثلة من العلماء والباحثين وعدد من الفاعلين في الحقل المدني والاجتماعي بالمدينة.
بعد الاستهلال بآيات بينات من الذكر الحكيم، اوضح الأستاذ عبد اللطيف حمزة، في مداخلته الافتتاحية، السياق العام لتنظيم هذه الندوة العلمية والنتائج المتوخى منها، وذكر انها تأتي في سياق إعادة الاعتبار للتصوف السني من خلال تجديد خطابه وربطه بأصل متين من أصوله التي بني عليها، التي تتجلى في القيم و بعدها العام والشامل سواء الأخلاقية أو المعرفية أو الروحية.
وفي مداخلته، اوضح الدكتور محمد بن كيران، أن التصوف قائم أساسا على منظومة قيم لا تنفك عنه أبدا، وان التصوف المغربي تميز بخصائص قيمية جعلت من رجالاته دعاة ساهموا في تغيير التاريخ وبناء الحضارة الإنسانية وكانوا ركيزة أساسية في الحفاظ على الأمن الاجتماعي.
وقال فضيلته إننا “نعيشُ كونيا أزمةَ انهيار القيم بسبب التغيرات الكبيرة التي أصابت بُنى المجتمعات، وأنماطَ التفكير، وسيولةَ المعلومات، وهياكلَ العلاقات الأسرية والاجتماعية، ومضامينَ وأشكالَ التصوف التي ظهرت في المجتمع”، مبرزا في نفس السياق، أنه في الوقت الحالي ظهرت على الصعيد العالمي قيم جديدة ذات طابع براغماتي، تتسم بنسبية كبيرة بسبب الافتقار إلى مرجعية ثابتة.
وأضاف، بأن المشاكل التي نعاني منها اليوم ليست في عدم وجود قيم ضابطة لمسيرة الحياة ومعاييرَ لتقويمها وتحديدِ مواطن الخلل التي تعتريها، ولا في عدم وجود تجربة تاريخية، ولا في شمولية هذه القيم وتغطيتها لجميع مناحي الحياة البشرية، وإنما تتحدد الإشكالية – فيما يرى- بسوء التعامل مع القيم، الذي يؤدي إلى العبث بأحكامها، والقراءة المغلوطة لمحالها، ومن ثم سوء تنزيلها على واقع الناس.
من جهته، تحدث الدكتور عبد الله عبد المومن عن مفهوم الفكر الصوفي وعلاقته بمنظومة القيم الإنسانية، ودور هذه المنظومة في التربية والسلوك، وذلك من خلال مجموعة من الشواهد التاريخية المغربية وكيف يمكن أن يكون هذا الموضوع أرضية فكرية لمشروعات علمية يجب على الباحثين فتح ملفاتها واستدعاء إشكالاتها لتصبح هما ثقافيا ومحركا اجتماعيا وفرضا كفائيا ومحرضا حضاريا.
كما أوضح فضيلته أن الأولويات التي ستساهم اليوم في إعادة تشكيل عقل الأمة، هو العودة إلى منظومة القيم ذات المرجعية التاريخية في ضوء معرفة الوحي وتجربة المتصوفة، مع امتلاك رؤية تمكننا من فهم الواقع بإشكالاته المتعددة، والقدرة على تحديد منظومة قيم تكون صالحة لمناط الاقتداء في هذه المرحلة ومن ثم تنزيل أحكامها الأخلاقية والروحية والمعرفية في حياتنا؛ اهتداء بسير رجالات التصوف وأفكارهم.
كما قام فضيلته من خلال مداخلته بإثبات السند الديني للأخلاق والقيم في صيغته الإسلامية وفي صورته الصوفية، وكيف أنه قادر على تجاوز القطيعة بين المرجعية الدينية للقيم والمرجعية العقلية، لأنه لا تعارض بين النقل والعقل ولا تعارض بين مصالح العباد وتشريع رب العالمين، فحيثما المصلحة المنضبطة فثم شرع الله، بحيث يَمكّن الوحيُ من التوفيق بين الحاجات الخاصة للفرد والحاجات العامة للجماعة.
وفي ختام هذه الندوة، تم تكريم فضيلة الدكتور العلامة عبد السلام فيغو رئيس المجلس العلمي بإقليم الفحص أنجرة سابقا وعضو المجلس العلمي الأعلى وأستاذ التعليم العالي بجامعات مغربية وعربية، وذلك بتقديم درع تذكاري من طرف جماعة طنجة المدينة، ودرع تذكاري من طرف المركز، بعد أن قدمت مجموعة من الشهادات في حقه، وبيان ما قدمه من إنتاج فكري وعلمي، إن على مستوى الكتابة أو التدريس، كما تم تكريم فضيلة الشيخ احمد فاتح، احد شيوخ العلم والتدريس بمنطقة الشمال.
