قصص فرار السجناء ليست غريبة عن المؤسسات السجنية بمدن الشمال، أبطال يحظون بشعبية كبيرة بسبب الأساليب والطرق المذهلة التي مكنتهم من التفوق على “جلاديهم” من أجهزة المراقبة والأمن، حيث باتوا مادة مغرية لمنتجي الأفلام الدرامية العالمية.
فسجون طنجة وتطوان والعرائش على الخصوص، شهدت في فترات متقاربة العديد من حالات الفرار، التي تكلل بعضها بالنجاح، ونفذها بطريقة هوليودية إما بارون مخدرات أو مدان في قضية ما أو متهم لازالت قضيته رائجة أمام المحكمة… وذلك نتيجة لتهاون الحراس أو تواطؤ جهات نافذة، ما يترك دائما العديد من علامات الاستفهام ويفرض البحث عن حلول ناجعة وعاجلة.
كما أن فرار السجناء للحصول على حريتهم له وسائل أخرى بالمنطقة الشمالية، مثل الانتقال إلى المستشفى من أجل العلاج، إذ غالبا ما يعمد الهاربون إلى التخطيط المسبق والتنسيق التام مع أطراف أخرى لتسهيل عملية الفرار، حيث يلجأ بعضهم إلى تناول مواد كيماوية مضرة عن عمد، ليصابوا على إثره بمغص وآلام حاد في بطونهم تجبر المسؤولين على نقلهم بسرعة خارج أسوار السجن والذهاب بهم إلى أحد المستشفيات العمومية، التي تمنحهم إمكانيات عديدة للفرار.
عمليات هليودية بسجن “سات فيلاج”
السجن المحلي “سات فيلاج” بطنجة له قصص مثيرة تختلف عن بعضها من ناحية التنفيذ وعدد الهاربين، ولعل أشهرها تلك التي نفذها شقيقان يعتبران من أخطر المجرمين بالمدينة، اللذان تمكنا، في ظروف غامضة، من التسلل إلى مطبخ السجن ثم عبرا إلى السطح قبل أن يقفزا إلى منزل المدير ومنه إلى الشارع، ليجدا امرأة داخل سيارة بيضاء تنتظرهما حيث انطلقوا جميعا نحو مكان مجهول.
مصادر على دراية بتفاصيل هذه العملية أكدت أن الهاربين استعملا سكينين من الحجم الكبير لتهديد كل من تجرأ على اعتراض طريقهما، فيما قال آخرون أن عملية الهروب لم تكن لتتم دون تواطؤ من الداخل، وهو ما أقر به الهاربان بعد إيقافهما، واعترافهما بأنهما قدما مبلغ 5 ملايين سنتيم كرشوة لأحد حراس السجن لكي يسهل لهما عملية الهروب، إلا الحارس المتهم ظل يمارس مهامه إلى حين أن تم عزله بعد تورطه في فضائح مماثلة وأخرى تتعلق بترويج المخدرات...
ولم تكن هذه العملية هي الأولى أو الأخيرة التي تمكن فيها سجناء من الفرار من داخل سجن “ساتفيلاج”، إذ سبق لسجين يدعى (م.ل) من الهروب بطريقة مثيرة استغرب لها جل النزلاء أنفسهم، لكون المعني لم يتبق من عقوبته الطويلة سوى سنتين، وخروجه من السجن تم عبر الباب الرئيسي الذي تتوجد به كاميرات للمراقبة، التي أصيبت وقتها بـ “عطب مفاجئ”، غير أن مقربين من هذه القضية كشفوا أن هروبه كان بسبب تجنبه الإدلاء بشهادة كانت ستجر معها عدد من الموظفين والسجناء المتورطين في ترويج المخدرات داخل السجن.
ولأن السجن هو أسوء كابوس يراود أغلب المجرمين، نجد بعضهم يفكر في الهروب لمعانقة الحرية قبل أن تطأ أرجله زنازين السجون، وهو ما قام به السجينان (ب.م) الذي صدر في حقه حكما بسنة ونصف سجنا نافذا في قضية تتعلق بتعدد السرقات تحت التهديد بالسلاح الأبيض، و(ن.ب) المدان في نفس الجلسة بسنة سجنا نافذا من أجل تهم السكر والضرب والجرح بواسطة السلاح الأبيض، اللذان تمكنا من الهروب من قبضة رجال الأمن مباشرة بعد انتهاء جلسة النطق بالحكم عليهما، حيث استغلا عدم تصفيدهما واستعملا القوة للإفلات من قبضة العناصر الأمنية، التي لم تتمكن من اللحاق بهما، بعد أن دخلا، بسرعة فائقة، وسط أزقة الحي الإداري المجاور للمحكمة الابتدائية، واختفيا عن الأنظار إلى حين أن قررا العودة بإرادتهما.
فرار جماعي بتطوان
مدينة تطوان هي الأخرى عرفت حوادث مماثلة، ولعل أهمها فرار ثلاثة سجناء محكوم عليهم جنائيا بعقوبات سجنية ثقيلة تتراوح مابين 10 سنوات والمؤبد، وقد تمكنوا من الهروب بعد انقلاب سيارة الأمن، التي كانت تقلهم من محكمة الاستئناف نحو السجن المحلي “الصومال”، في حادث مروري وقع على مستوى إحدى المدارات بالطريق الدائرية وسط المدينة، حيث سهل ذلك على السجناء الفرار والاختفاء.
وأدى هروب السجناء الثلاثة إلى حالة استنفار امني قصوى بالمنطقة المحادية لمكان الحادث، إذ تمت الاستعانة بمختلف الأجهزة الأمنية للبحث عن الفارين، وعملت على تطويق كل الطرق الموجودة بالمنطقة في محاولة للقبض على الفرين، إلا أن كل الجهود كان مصيرها الفشل، لتعمم بعد ذلك المصلحة الولائية للشرطة القضائية بتطوان مذكرة بحث وطنية لم يعرف لحد الساعة مصيرها.
هروب مثير لبارون بالعرائش
ومن العمليات المثيرة التي تمكن خلالها سجناء من الفرار بالمنطقة الشمالية، محاولة ناجحة نفذها، في السنة الماضية (2017)، المدعو (م.ر)، المدان بـ 10 سنوات سجنا في قضية تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات، حين تمكن من الهروب من داخل المحكمة الابتدائية بالعرائش.
واستطاع المعني الإفلات من مراقبة العناصر الأمنية والفرار نحو وجهة غير معلومة، بعد أن تم استقدامه من السجن المحلي إلى المحكمة الابتدائية بالمدينة من أجل الاستماع إليه بخصوص شكاية تتعلق هي الأخرى بالاتجار الدولي في المخدرات، إذ استغل البارون تهاون الحراس الذين كانوا يهمون بإدخاله إلى مكتب قاضي التحقيق، ليطلق ساقيه للريح، أمام اندهاش رجال الأمن وكل المتقاضين المتواجدين بالمحكمة.
وعلى الرغم من حالات الفرار هاته، يبقى الهرب من سجن عملية معقدة وليست سهلة أبدا، لأن الفرار يتطلب جرأة وشجاعة زائدتين، بالإضافة إلى تنسيق وتعاون مع جهات لها القدرة على المساعدة إما داخل السجن أو خارجه.
المختار الرمشي (الصباح)