حوادث الاختفاء والاختطاف، التي يتعرض لها عدد من الأطفال في مدن الشمال، ويتفاعل معها بشكل كبير نشطاء التواصل الاجتماعي، تسببت، أخيرا، في الرفع من مؤشر القلق والخوف لدى الأسر على حياة أبنائها، وأصبحت تمثل “فوبيا” بالنسبة لعدد من الآباء والأمهات، بعد أن تجاوزت حدودها الطبيعية وباتت تعتبر من الظواهر الاجتماعية المخيفة جدا..
وعرفت المدن الشمالية، في السنوات الأخيرة، سلسلة من جرائم خطف الأطفال، التي نفذها أشخاص مجهولون لدواعي لازال يكتنف بعضها الغموض، ولم تتمكن الأجهزة الأمنية من الكشف عن هوية منفذيها، الذين لاشك أنهم عصابات متخصصة تتنوع غاياتها بين التشغيل والاعتداء الجنسي وبيع الأعضاء والاستغلال في البحث عن الكنوز، لا سيما الأطفال “الزوهريين”، الذين يتم اختطافهم من قبل مشعوذين ودجالين لاستخدام مزايا معينة في أيديهم وأعينهم في استخراج صناديق من الذهب والفضة والياقوت المدفونة في باطن الأرض، بحسب معتقداتهم.
وتعتبر ظاهرة خطف الأطفال “الزوهريين” من الجرائم المتفاقمة التي تعاني منها الأسر بالمنطقة الشمالية، خصوصا بالبوادي والقرى الجبلية، حيث ينشط بها المشعوذون بشكل مكثف خلال أوقات محدد من السنة، ويختفي خلالها عدد من الأطفال، منهم من ينقطع أثره إلى الأبد، ومنهم من يتم العثور على جثثه مذبوحة أو منكلا بها، وهو ما يخلف حزنا وألما عميقين ومعاناة حقيقية لدى الأسر والعائلات، التي تعرضت فلذات أكبادهم للاختطاف والاختفاء.
ولعل واقعة الطفل صلاح الدين العميري، الذي أكمل عامه الخامس واختطف من أمام منزله قبل أن يتم العثور على جثته طافية ببئر قريب من بيت أسرته، من بين أخطر حوادث الاختطاف التي شهدتها مدينة البوغاز في السنوات الأخيرة، نظرا لما خلفته من مظاهرات شعبية متضامنة مع أسرة الضحية، واحتجاجات صاخبة تندد بتقصير الأجهزة الأمنية في حماية الأطفال ومعالجة قضايا اختطافهم وتنكيل بجثتهم.
وتفجرت هذه القضية، حين اختفى الطفل صلاح الدين عن الأنظار من أمام منزله بالحي الشعبي “خندق الرمان” بمسنانة، لتوجه أسرته اتهاماتها لجارتهم (ع.ش)، التي تبيع الأعشاب وتمارس الشعوذة في الحي، ليتم استدعاءها من قبل المصالح الأمنية من أجل التحقيق معها في الموضوع، إلا أنها أنكرت كل التهم الموجهة إليها، فجرى إطلاق سراحها في نفس اليوم، وهو الأمر الذي لم تستسغه الأسرة، خاصة أن المشكوك في أمرها ذات سوابق عدلية ولها أخت تمتهن هي الأخرى خدمات الشعوذة والدجل بحي بئر الشفا بنفس المدينة.
وبعد مرور ثلاثة أيام عن اختفاء الطفل، أشعرت المصالح الأمنية أسرة الضحية بأنها عثرت على ابنها ميتا في ظروف غامضة وسط بئر بأحد البساتين المتواجدة بالحي، ليتم إخضاع جثته لتشريح طبي جاءت نتائجه مخالفة لكل التوقعات، وأكدت أن الوفاة ناتجة عن “اسفكسيا الغرق”، وهو موت ينتج عن الاختناق بواسطة الماء وعندما لا يصل الأكسجين لأنسجة الجسم بالكمية الكافية، مما أبعد الشكوك عن الجارة المتهمة، التي غادرت المدينة إلى وجهة غير معلومة.
وأثار هذا الحدث المأساوي استياء كبيرا من قبل جمعيات حقوقية وسكان منطقة مسنانة وأحياء المجاورة، الذين خرجوا في مسيرة احتجاجية حاشدة، شارك فيها مئات من النساء والشباب والأطفال والتلاميذ، كان في مقدمتهم أسرة الضحية، رافعين شعارات تحمل كامل المسؤولية للمصالح الأمنية، وتطالبهم بتوفير الأمن لحماية الأطفال من الخطر الذي يهدد حياتهم، لاسيما أن الحي عرف حالات اختطافات متكررة، مشددين على ضرورة معاقبة كل المتورطين في التقصير والتساهل مع المشعوذة التي تم إطلاق سراحها، مؤكدين أنها هي من اختطفت الطفل وتخلصت منه برميه في البئر، واصفين إياها بـ “المجرمة”، قبل أن تنجح القوات الأمنية، التي كانت مدعمة بعناصر القوات المساعدة، من إخماد غضب المتظاهرين وتفريقهم بصعوبة بالغة.
ولم تكن هذه الواقعة الوحيدة التي سجلتها المصالح الأمنية بطنجة، بل شهدت أحياء مختلفة بداخل المدينة حوادث مثيرة، من بينها محاولة اختطاف طفل من أمام مدرسة “آسية الوديع” في منطقة بن ديبان، حين أقدم شخصان كانا يمتطيان سيارة من نوع “رونو بارتنير”، على اعتراض طريق طفل لا يتعدى عمره 12 سنة، وقاما بتعنيفه ومحاولة إرغامه على امتطاء السيارة بالقوة، إلا أن صراخه أثار انتباه بعض المارة، الذين تدخلوا وأنقذوا الطفل من الخطر المحدق به، بعد أن أرغموا الخاطفين على الفرار تاركين الضحية في ظروف نفسية سيئة، لتتقدم أسرته إلى المصالح الأمنية بشكاية في الموضوع، حيث لازالت أسباب هذه المحاولة الفاشلة غامضة في ظل عدم التوصل إلى تحديد هوية الفاعلين.
قضية أخرى مثيرة دارت أحداثها بحي “أطلس” بمقاطعة “السواني، الذي كان شاهدا على محاولة أخرى فاشلة لاختطاف طفل لا يتعدى من أمام منزله، ونفذها شخص كان على متن سيارة مرقمة بإسبانيا، الذي تمكن من السيطرة على الضحية وأرغمه بالقوة والتهديد على ركوب السيارة، إلا أن تدخل مجموعة من شباب الحي حال دون إتمام هذا الفعل الجرمي، حيث تخلى الخاطف عن الطفل ولاذ بالفرار إلى وجهة مجهولة، بعد استخدامه لغاز “الكريموجين” وسلاح أبيض.
المختار الرمشي (الصباح)