شكلت مدينة طنجة، منذ سنين طويلة، وجهة مفضلة لعدد من الشباب والشابات الراغبين في الهجرة إلى خارج المغرب قصد البحث عن فرص للعمل، وهو ما حولها إلى قاعدة ثابتة لأكبر الشبكات الدولية الناشطة في مجال التهجير والاتجار في البشر، التي أصبحت تجني عن طريق النصب والاحتيال والتدليس أرباحا طائلة.
وإذا كانت عاصمة البوغاز تعتبر منفذا مفضلا للعبور نحو الضفة الأوربية بالنسبة للمهاجرين القادمين من مختلف المناطق الإفريقية والأسيوية، فهي كذلك تعد مستقرا لعدد من الشبكات الدولية المتخصصة في تهجير الفتيات والنساء نحو بلدان الخليج العربي، خاصة اللواتي ضاقت بهن السبل ودفعهن الفقر واليأس إلى الهجرة بحثا عن المال والسعادة.
وتعتمد هذه الشبكات في عملياتها على وسطاء مغاربة وأشخاص من دول عربية يقيمون بالمغرب بصفة قانونية، الذين يعملون على استقطاب الفتيات الجميلات اللواتي يكن مستعدات للمغامرة من أجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية والمادية، ويقومون بإغرائهن وتحفيزهن إلى حين أن يقعن في شباكهم، ليتم ترحيلهن إلى دول خليجية متعددة بواسطة عقود وهمية لمزاولة مهن ومجالات أهمها مرشدات في السياحية، مربيات، حلاقات، مدلكات، نادلات في المقاهي أو عارضات أزياء…
وحسب إفادات مجموعة من الفتيات المغربيات العائدات إلى أرض الوطن، فإن جلهن دخلن إلى هذه الدول الخليجية بتأشيرات سياحية منحت لهن بناء على عقود عمل أبرمنها عن طريق وسطاء ووسيطات في المغرب مقابل عمولات متفاوتة تصل إلى خمسة ملايين سنتيم تؤدى مسبقا بالمغرب، إلا أنهن اكتشفن عند وصولهن إلى وجهتهن المختارة بأنهن سقطن وسط كمائن مافيات دولية، تعمل على تهجير المغربيات إلى دول الخليج من أجل استخدامهن في الدعارة، أو تصويرهن في أشرطة بورنوغرافية تجنى منها أموالا طائلة.
فحكايات المغربيات المغرر بهن تشكل مآسي إنسانية حقيقة، نتيجة وضعهن في مجمعات سكينة لا تتوفر فيها أدنى شروط الراحة، وتعريضهن للاغتصاب الجماعي والمهانة والتنكيل والحرمان من أجل تكسير عزيمتهن وإرغامهن على الانصياع لمطالب “القوادين” والقبول بممارسة الجنس وبيع أجسادهن لمكبوتين وكبار السن داخل أوكار معدة الدعارة.
وذكرت “فدوى” وهي فتاة غرر بها من طرف إحدى سماسرة الرقيق الأبيض بمدينة طنجة، أنها تمكنت من الحصول على عقد عمل في مطبخ أحد الفنادق بالإمارات العربية المتحدة، بعد أن أدت لوسيطة مغربية مبلغ 30 ألف درهم، ووافقت على كل الشروط قبل نقلها عبر الطائرة إلى مدينة دبي، مبرزة أنه بمجرد وصولها اصطدمت بواقع آخر، حيث تم احتجازها بغرفة مغلقة ليوم كامل دون أكل أو شرب، قبل أن يقتحم عليها الغرفة 3 أشخاص أقوياء، قاموا باغتصابها وممارسة الجنس عليها بوحشية الواحد تلو الآخر لمدة أسبوع كامل، إلى حين أن أنهكت قواها وانصاعت لأوامر هذه العصابة في انتظار فرصة الإفلات من قبضتهم.
وتقول فدوى، المتحدرة من مدينة الخميسات، إنه “بعد موافقتي على شروط المهنة الجديدة، تم تسليمي لامرأة أفهمتني قواعد العمل وكيفية التعامل مع الزبناء، وهو ما طبقته بالحرف حتى أتفادى الواقع المرير الذي عشته مع الحيوانات الثلاث، وذلك مكنني من معاملة خاصة واستفدت من هاتف نقال أشغله بتوقيت محدد تحت مراقبة، كما تمكنت من بعث النقود لأسرتي في المغرب”.
وأضافت فدوى، أنها التجأت لاستعمال الحبوب المخدرة لكي تتمكن من تحمل الواقع الجديد، إلا أنها لم تقوى على الاستمرار فتدهورت حالتها الصحية بشكل خطير، ما أدخل نوعا من الخوف لدى أفراد هذه العصابة، وسمحوا لها بالمغارة إلى المغرب، بعد أن أرجعوا لها جواز سفرها واقتنوا لها تذكرة الطائرة.
ولم تمثل قضية فدوى إلا جزء بسيط من المعانات التي عاشتها بعض النساء المغربيات اللائي يهاجرن للعمل في الدول الخليجية، إذ سبق لهيئات حقوقية أن دقت ناقوس الخطر ونبهت إلى ما يتعرض إليه المواطنون المغاربة الذين يهاجرون للعمل ببلدان الخليج، خاصة النساء اللواتي يجبرن على ممارسات تحط من كرامتهن، لافتة إلى أنه رغم نداءات الاستغاثة، لا تقوم السلطات المعنية بواجبها في حماية النساء المغربيات وتخليصهن من هذه الأوضاع الخطيرة.
المختار الرمشي (الصباح)