شهدت طنجة، في السنوات الأخيرة، وقائع مثيرة ومتعددة تعرض فيها رجال الأمن بالمدينة لاعتداءات خطيرة أثناء تأديتهم لواجبهم المهني، وأصبحت هذه السلوكات الإجرامية هواية يمارسها أصحاب السوابق والمنحرفون والمشاغبون أمام الملأ بالشارع العام والأماكن العمومية والملاعب الرياضية دون أدنى مبالاة لآثارها وعواقبها الخطيرة.
واللافت للانتباه، أن ظاهرة العنف ضد رجال الأمن بشتى رتبهم ومواقعهم، لم تعد حالات معزولة، وتحولت من التهديد والسب وعدم الامتثال إلى اعتداءات جسدية باستعمال أسلحة متنوعة منها السيوف والعصي والحجارة والغازات المسيلة للدموع والدهس بالسيارات وغيرها… وهو وضع يدل على عودة زمن “السيبة” ووجود انحراف خطير يمس قوانين الدولة وهيبة رجال الأمن، التي ضاعت جراء هذه السلوكات الدخيلة.
وعاشت ولاية الأمن بعاصمة البوغاز، في السنوات الأخيرة، حالات من الاستنفار الأمني بسبب قيام منحرفين دفعتهم ميولاتهم الإجرامية إلى تعريض عدد من عناصر الأمن لاعتداءات خطيرة وصلت إحداها إلى حد القتل، فيما أسفرت أخرى عن عاهات مستديمة وإصابات خطيرة، لا لذنب ارتكبوه بل لأنهم تفانوا في عملهم وغامروا بحياتهم من أجل اعتقال مجرم أو تاجر مخدرات أو أثناء تنظيمهم المرور لحماية الأمن وسلامة المواطنين. ومن بين أخطر الحوادث التي ظلت منقوشة بأذهان سكان عاصمة البوغاز، تلك التي راح ضحيتها شرطي من فرقة الدراجات النارية التابعة لفرقة المرور بطنجة، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بمستشفى محمد الخامس، إثر تعرضه لاعتداء أثناء مزاولته لمهامه بشارع انجلترا، حين قام بتوقيف سيارة للنقل المزدوج في إطار المراقبة الروتينية لوثائق السيارات، إلا أن السائق رفض الامتثال لتعليماته وحاول الهروب، ما دفع بالشرطي إلى اعتراض السيارة لإيقافه، غير أن السائق قام بدهسه وسحله على مسافة تفوق 200 متر تقريبا، قبل أن يلوذ بالفرار إلى وجهة مجهولة، تاركا وراءه الضحية مضجعا في دمائه أمام أعين عدد من المواطنين، الذي استنكروا الحادثة وحاولوا إيقافه بدون جدوى.
الضحية (رشيد.ش)، الذي يبلغ من العمر 42 سنة، نقل على الفور إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الجوي محمد الخامس في حالة غيبوبة، نتيجة إصابته بكسور على مستوى الدماغ، مع نزيف دموي حاد، بالإضافة إلى كسور والتمزقات عميقة بالذراع الأيسر وبحوض وركبتي الضحية، حيث وضع مباشرة تحت الرعاية الطبية المركزة بقسم الإنعاش، إلا أن إصابته الخطيرة، التي طالت جمجمته وتسببت في فقدان كمية هامة من الدم، عجلت بوفاته.
إثره تجندت مختلف الفرق الأمنية للبحث عن المعتدي (يونس.م)، الملقب بـ “ولد الساحلية”، حيث قامت بنصب عدة سدود أمنية بمناطق مختلفة داخل المدينة، إلى أن تم ضبطه ومطاردته على شكيلة أفلام “الأكشين”، قبل أن يتم محاصرته بواسطة شاحنة للنقل الدولي، على مستوى حومة مسنانة، ليتم اعتقاله واقتياده إلى مقر ولاية الأمن للتحقيق معه في الموضوع، قبل عرضه على أنظار غرفة الجنايات باستئنافية طنجة، التي حكمت عليه بالسجن المؤبد بعد أن واجهته بتهم “القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد في حق موظف اثناء قيامه بعمله”.
كما شهدت طنجة حالات متعددة من الاعتداءات الفردية والجماعية ضد أمنيين بمناطق مختلفة وسط المدينة، ومن بينها حدثت أثناء الاشتباكات العنيفة التي نشبت بين القوات الأمنية ومئات من شباب حي “أرض الدولة” بمنطقة بني مكادة، الذين تعاطفوا مع أحد العناصر المحسوبة على التيار السلفي لحظة إيقافه من قبل عناصر الفرقة الوطنية، ودخلوا معهم في معارك قوية استعملت فيها السيوف والأسلحة البيضاء والحجارة من أجل تخليص السلفي من قبضة الشرطة، ما أسفر عن إصابة عدد من العناصر الأمنية بجروح متفاوتة على مستوى الرأس والصدر والورك، من بينهم ضابط من الفرقة الوطنية، الذي نقل في حالة خطيرة إلى الرباط، بالإضافة إلى أضرار كبيرة لحقت بسيارة للشرطة من نوع “رونو طرافيك”، التي انقلبت وسط الشارع بسبب السرعة المفرطة التي كان يسير بها السائق خوفا من ملاحقته من قبل بعض الشباب.
المختار الرمشي (الصباح)