الموقع الأثري ليكسوس.. ذاكرة الشعوب

الموقع الأثري ليكسوس.. ذاكرة الشعوب

17 أغسطس, 2019

يعد الموقعَ الأثري ليكسوس، الذي يقع شمال مدينة العرائش (حوالي 5 كلم)، الأقدم من نوعه في المغرب، ويعود تاريخه، حسب بعض النصوص الإغريقية والرومانية، إلى نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد.

وبحسب ما أفاد به إبراهيم ليلو، محافظ بالموقع الأثري ليكسوس، فإن العمر الحقيقي لموقع ليكسوس لم يتأكد علميا، إذ إن أقدم البقايا الأثرية التي تم اكتشافها بالموقع، لحد الآن، تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وهذا لا يعني أنه عمر نهائي، ذلك أن قلة عمليات التنقيب ربما تحول دون اكتشاف بقايا أقدم من تلك التي تم اكتشافها لحد الآن.

 ويقع هذا الموقع الأثري، الذي جرى افتتاحه يوم 20 أبريل الماضي (2019)، على تل بعلو ثمانين مترا عن سطح البحر، على الضفة اليمنى لوادي لوكوس، الذي يعتبر من أهم الأودية بالمغرب، إذ يرجع السبب في وجوده بهذا المكان، حسب الإفادات التي قدمها إبراهيم ليلو، هو أن الفينيقيين حين قدموا إلى المغرب ومروا على طول البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، قرروا الاستقرار على ضفة مصب وادي اللوكوس.

ولم يكن هذا الاختيار اعتباطيا، بل جاء بناء على قرار مدروس، إذ أن الفينيقيين وجدوا في الربوة المطلة على وادي اللوكوس، التي كانت في السابق عبارة عن جزيرة يحفها البحر ، مكانا آمنا، طبيعيا، محاطة بأراض خصبة.

ولا يزال الموقع الأثري ليكسوس يضم بعض المعالم الدالة على سبب اختيار هذا المكان مُستقرا للفينيقيين، كالممالح، التي يُستخرج منها الملح، بتعريض مياه البحر للتبخر، وهي من إحدى الصناعات التي كانت موجودة آنذاك.

أكبر مجمّع صناعي بالمتوسط

لا يُعد الموقع الأثري ليكسوس أقدم حاضرة في المغرب فحسب، بل من أكبر المدن الفينيقية بغرب البحر المتوسط، حيث كان يغطي مساحة شاسعة تناهز 14 كيلومترا، حسب المعطيات المضمّنة في الكتيّب التعريفي بالموقع الصادر عن وزارة الثقافة.

الموقع المتميز لليكسوس جعلها تتحول من مركز تجاري على السواحل المغربية إلى مدينة قائمة بذاتها، عاش أهلها في رفاهية تجلت في استعمال مواد من الطراز الرفيع كان يتم استيرادها من مختلف مناطق البحر الأبيض المتوسط كاليونان وقبرص.

وتوجد بالموقع أحواض عند قدم التل، وهي أحواض كانت تُستعمل، في السابق، لتمليح السمك، حيث يتمّ الاحتفاظ به داخلها محفوفا بالملح، فيصير مثل السمك المعلّب في عصرنا الحالي.

يضم الموقع الأثري ليكسوس مجمعا صناعيا خاصا بتمليح السمك، يضم أحواض التمليح وصهاريج المياه، وقد تم اختيار هذا الموقع بعناية، ذلك أنه يوجد غير بعيد عن وادي اللوكوس، الذي تُصطاد منه الأسماك قبل تمليحها.

وحسب المعلومات التي وفرتها وزارة الثقافة، فإنّ المجمّع الصناعي الخاص بتمليح السمك يضم 10 مصانع و150 حوضا لتمليح السمك، وكان هذا المجمع الصناعي الأكبر من نوعه على صعيد حوض البحر الأبيض المتوسط.

تحفة فنية

وأنت تتجاوز المجمع الصناعي لتمليح السمك، تلفي في منتصف الطريق المؤدي إلى قمة الموقع الأثري ليكسوس معلمة تاريخية بديعة وتحفة فنية، عبارة عن مسرح دائري، ذي بناية فريدة هي الأولى من نوعها في شمال إفريقيا، وقد أنشئ في العهد الروماني.

في هذا المسرح المطلّ على منظر طبيعي رائع تختلط فيه زرقة المياه بخضرة الطبيعة، كانت تقام العروض الفنية والموسيقية، وعلى مضماره الذي مساحته 804 أمتار مربعة، كانت تقام عروض المصارعين والحيوانات الضارية، التي كان يتابعها الجمهور من مدرجات في الجهة العلوية.

مظاهر الحضارة التي كانت سائدة في مدينة ليكسوس في غابر الأزمان تتجلى في عدد من المعالم الأخرى، منها حمامات عمومية محاذية للمسرح، تضم غرفة تغيير الملابس وقاعة كبيرة، كما تحتوي على قاعات دافئة وساخنة وأحواض، حسب معلومات وزارة الثقافة.

ثمّة أيضا مجمّع بمقومات قصر، ويسمى هذا المجمع حي المعابد، ويقع أعلى التل الذي يقوم عليه الموقع الأثري ليكسوس. استمرت الحياة في هذا الحي إلى أن تم الجلاء عن الموقع واستقرار مَن كان يعيش به في مدينة العرائش المتاخمة.

هناك أيضا معالمُ أخرى كثيرة بين جنبات الموقع الأثري ليكسوس، منها المحكمة، والحي السكني، الذي أجريت الحفريات لحد الآن على منزلين فقط من منازله، أسفرت عن اكتشاف “قطع فسيفسائية من الروعة بمكان”، وهي محفوظة الآن في المتحف الأثري بتطوان.

ما يضمه موقع ليكسوس من كنوز أثرية لم يُكتشف منها لحد الآن سوى عشرة بالمائة فقط، لكون الحفريات، تتطلب إمكانيات مالية ولوجستية كبيرة، إذ تعول الوزارة الوصية على ارتفاع أعداد السياح الوافدين على الموقع، ليكون موردا لتكاليف عمليات التنقيب، واستكشاف مزيد من الكنوز التي تضمّها أكبر حاضرة في المغرب.

محمد الراجي (هسبريس)

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*