جريمة طنجة.. التفاصيل الكاملة

جريمة طنجة.. التفاصيل الكاملة

قصة حزينة ابتدأت باختفاء طفل وانتهت بالعثور على جثته مدفونة بحديقة قرب منزله

14 سبتمبر, 2020

عاشت مدينة طنجة، نهاية الأسبوع الماضي، أوقات حزينة إثر وقوع جريمة مروعة بكل المقاييس، راح ضحيتها طفل في عمر الزهور لا يتعدى سنه 11 ربيعا، استدرجه وحش آدمي صوب شقته ليمارس عليه شتى أنواع الاعتداء الجنسي، ثم أقدم على خنقه وقتله بدم بارد قبل أن يتخلص من جثته بدفنها تحت تراب حديقة قريبة من مسرح الجريمة، ما خلف صدمة كبيرة لعائلته وردود فعل غاضبة بين سكان المدينة وقطاع عريض من رواد العالم الافتراضي، امتد صداها إلى كافة ربوع المملكة وتحولت إلى قضية رأي عام.

بداية القصة

ظلت أسرة “بوشوف”، التي كانت تتكون من خمسة أفراد، أب وأم وثلاثة أبناء، وتعيش بشقة تقع بشارع النصر قرب السكن الوظيفي للجمارك بمدينة البوغاز، (ظلت) تنعم بحياة هادئة وبسيطة لأزيد من 12 سنة، قبل أن تنقلب رأسا على عقب إثر اختفاء ابنها البكر “عدنان”، الذي اختفى في ظروف غامضة منذ ليلة الاثنين الماضي (7 شتنبر)، بعد أن أرسلته أمه لاقتناء دواء لشقيقته الصغيرة من صيدلية مجاورة، إلا أنه لم يعد إلى البيت وظلت أسرته المكلومة تنتظر رجوعه دون جدوى، ما دفع بوالده إلى إخطار المصالح الأمنية والسلطات المحلية باختفاء ابنه، لتنتشر بعد ذلك صور الطفل كالنار في الهشيم على صفحات “الفايسبوك” و”الواتساب” وعدد من المواقع الإلكترونية، التي أطلقت حملة واسعة للبحث عن الطفل المختفي.

مصالح الأمن بالمدينة انخرطت منذ الوهلة الأولى في سباق مع الزمن لفك لغز اختفاء الطفل عدنان، واعتمدت في أبحاثها وتحرياتها على مراجعة أشرطة بعض الكاميرات المثبتة بواجهات بعض المحالات التجارية المتواجدة بالحي، التي رصدت إحداها الضحية رفقة شخص مجهول، يشتبه في احتمال تورطه في استدراج الضحية بالقرب من مكان إقامة عائلته، ما أكد أن الأمر يتعلق بواقعة اختفاء بخلفية إجرامية.

عمليات البحث والتشخيص، التي باشرتها فرق الشرطة القضائية الولائية بتنسيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، المعروفة اختصارا بـ “الديستي”، أسفرت عن تحديد هوية المشتبه فيه، الذي تبين أنه يقطن غير بعيد عن مسكن الضحية، إذ بعد أيام من المراقبة والترصد، القي القبض عليه بداخل شقته، ليعترف بالمنسوب إليه وأدلى للمحققين بمكان دفن الجثة، التي جرى استخراجها من حفرة عميقة وعليها علامات الخنق والاعتداء، ليتم نقلها إلى مستودع الأموات الجماعي من أجل تشريحها وإعداد تقرير مفصل عن أسباب الوفاة.

اعترافات المتهم

كشفت التحقيقات التي أجرتها المصالح الأمنية مع المشتبه فيه، وهو من مواليد سنة 1996 بالقصر الكبير ويشتغل بأحد المعامل المتواجدة بالمنطقة الصناعية بالمدينة، أنه كان على معرفة مسبقة بوالد الطفل، الذي يملك مطعما شعبيا بالحي ذاته، وهو الأمر الذي سهل عليه مأمورية التعرف على الطفل/الضحية، قبل أن يستدرجه إلى شقة يكتريها في نفس الحي رفقة أربعة من زملائه في العمل، ثم أرغمه على الدخول ليعرضه بالقوة وتحت التهديد لاعتداء جنسي متبوع بجناية القتل العمد، حيث قام في نفس اليوم وساعة الاستدراج بخنق الضحية بسبب مقاومته، قبل أن يعمل بعد ذلك على التخلص من الجثة ودفنها ليلا بمحيط حديقة قريبة من مسكنه، زاعما أمام المحققين أنه أقدم على فعلته دون أن تكون له نية القتل، لأنه يعاني من اضطرابات نفسية مزمنة نتيجة تعرضه هو الآخر للاغتصاب في صغره.

كما أسفر البحث الذي أجرته الضابطة القضائية في القضية، عن إيقاف ثلاثة من أصدقائه الذين يقطنون معه بنفس الشقة، وتم وضعهم رهن تدابير الحراسة النظرية للتحقيق معهم في شبهة التستر على الجريمة وعدم التبليغ عنها، خاصة أنهم لاحظوا تغيرا كبيرا في تصرفات الجاني وطباعه منذ أن ظهرت صور الضحية على مواقع التواصل الاجتماعي، وعمد إلى إقفال هاتفه والتوقف عن العمل.

احتجاجات وتنديد

فور ذيوع الخبر والإعلان عن توقيف الجاني، تجمع عشرات من سكان الحي أمام مسكن الضحية،  ورفعوا شعارات تندد ببشاعة هذه الجريمة النكراء، التي راح ضحيتها الطفل “عدنان”، مطالبين بتوقيع أقصى عقوبة على الجاني وحكم عليه  بالإعدام، للحد من هذه الجرائم الخطيرة، خاصة التي تقترف في حق أطفال أبرياء، منددين في نفس الوقت بتماطل السلطات الأمنية في البحث عن الطفل أثناء فترة اختفائه.

كما عبر كثير من المواطنين عن ألمهم وصدمتهم إزاء ما وقع للطفل “عدنان”، مبدين تخوفهم من تفشي جرائم قتل الأطفال، التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة بشكل ملفت، مبرزين أن احتجاجاتهم تهدف بالأساس إلى تحسيس الآباء والأمهات بالمخاطر الإجرامية المحيطة بأبنائهم، ومطالبتهم بأخذ المزيد من الحيطة والحذر، فيما غصت مواقع التواصل الاجتماعي، التي واكبت أحداث هذه الجريمة منذ اختفاء الطفل المجنى عليه إلى حين العثور على جثته، بعبارات كلها تشجب وتستنكر ما تعرض له الطفل/ الضحية، مؤكدين أن الحادث “لا مبرر له لا شرعا ولا قانونا”، شددين على ضرورة تقنين عملية الكراء، والتعامل مع الغرباء غير المتزوجين إلا بعد معرفة هويتم وموافقة السلطات الأمنية لتفادي مثل هذه الأحداث المؤسفة.

بلاغات استنكار ومساندة

أخذت قضية عدنان منحى تضامني واسع من قبل كافة الهيئات السياسية والفعاليات الجمعوية والحقوقية، وتدخلت منظمة “ماتقيش ولدي” على خط هذه الواقعة، التي اهتز لها المجمتع المغربي بكامله، وأوضحت في بيان أصدرته، أن مدينة طنجة تعيش على وقع البيدوفيليا آخذة في الانتشار بشكل سافر، مشددة على ضرورة الدفاع عن المصلحة الفضلى للطفل، اعتمادا على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، التي يعد المغرب طرفا فيها على اعتبار حقوق الطفل ركيزة أساسية لمجتمع الحرية والكرامة وكافة حقوق الإنسان للجميع، مؤكدة في نفس الوقت أن ضعف الإجراءات الحمائية لحقوق الطفل وتغييب المصلحة الفضلى أساس تفشي الظاهرة.

من جهة أخرى، دقت الشبيبة الاتحادية بإقليم طنجة أصيلا ناقوس الخطر بخصوص تنامي ظواهر العنف والجريمة والاغتصاب عموما، والتعرض الأطفال للاعتداء على وجه الخصوص، محذرة من أي تطبيع مع هذه الظواهر الخطيرة، التي تتطلب تظافر جهود كافة المؤسسات والفعاليات المجتمعية وتنسيق مبادراتها وجهودها، وفي مقدمتها التدابير الحمائية، بما يصون النسيج المجتمعي ويكفل أسباب العيش الآمن والمشترك لجميع المواطنات والمواطنين.

وطالبت الشبيبة الاتحادية، في بلاغ أصدرته بالمناسبة، من السلطات المختصة بمواصلة تعميق التحقيق في هذا الملف، وكشف جميع حيثياته للرأي العام، وترتيب المسؤوليات وإنزال أشد العقوبات المقررة قانونا على كافة المتورطين والمتسترين على اقتراف هذه الأفعال الشنيعة واللاإنسانية، بما يتناسب وحجم الضرر المادي والمعنوي الذي لحق الضحية وأسرته والمجتمع على حد سواء.

رئيس الحكومة يتدخل

بدوره، نشر سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، تدوينة على حسابه الرسمي، علق فيها على جريمة الاختطاف والاعتداء والقتل التي تعرض لها الطفل “عدنان بوشوف” في طنجة، وندد بهذه السلوكات الإجرامية واللا إنسانية، موجها التحية لقوات الأمن التي كشفت في وقت قياسي عن الجريمة المروعة.

وقال العثماني في تدوينته، “بكامل الأسى والأسف والحسرة تلقينا خبر العثور على جثة الطفل المختطف عدنان بوشوف مدفونة بالقرب من مسكن عائلته بمدينة طنجة، بعد أيام من متابعة قصة اختطافه على أمل العثور عليه سالما.. نسأل الله أن يرحمه ويسكنه فسيح جنانه ويرزق أهله وذويه جميل الصبر والسلوان”.

(المختار الرمشي – الصباح)

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*