فاجعة طنجة.. استخفاف بأرواح الباحثين عن لقمة العيش

فاجعة طنجة.. استخفاف بأرواح الباحثين عن لقمة العيش

حقيقة مصرع 28 مستخدما قضوا غرقا داخل مصنع سري لإنتاج أقمصة ماركات عالمية

10 فبراير, 2021

عاشت طنجة، أول أمس (الاثنين)، يوما حزينا وأجواء جد مؤثرة خيم عليها البكاء والألم، لبست خلاله المدينة ثوب الحداد حزنا على فراق 28 شابا وشابة لقوا حتفهم غرقا داخل وحدة صناعية سرية للنسيج، التي اختار لها مالكها مقرا بمرآب تحت أرضي بإحدى الفيلات السكنية الواقعة بمنطقة البرانص وسط المدينة، بعد أن غمرتها مياه الأمطار الغزيرة والسيول التي تسربت بكميات كبيرة إلى داخل المصنع، نتج عنها غرق أغلب العمال الذين كانوا متواجدين وقتها بالمرآب المنكوب، فيما نجا 17 آخرين من موت محقق، نقلوا إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الجهوي محمد الخامس بالمدينة، إذ لازال أغلبهم يتلقي العلاجات الضرورية بأقسام العناية المركزة.

 

تفاصيل الفاجعة

إلى حدود الساعة الثامنة صباحا، كان كل شيء عاديا داخل وحدة صناعية مختصة في إنتاج أقمصة لماركات عالمية، تقع بحي إيناس التابعة لمقاطعة الشرف، ويشتغل بها، بحسب تصريح لإحدى العاملات الناجيات، 130 مستخدما أغلبهم فتيات في مقتبل العمر يعملون بصيغة التناوب، إلا أن التساقطات المطرية الغزيرة، التي شهدتها عاصمة البوغاز طيلة الأيام الأخيرة واشتدت وثيرتها صباح يوم الفاجعة (الاثنين)، عكرت صفو الأجواء المرحة لأزيد من 45 مستخدما، أغلبهم فتيات في مقتبل العمر، الذين كانوا وقتها بداخل المصنع منهمكين في عملية الإنتاج اليومية، لاسيما بعد أن بدأت السيول تتسرب إلى الداخل من تحت البوابة الرئيسية للمصنع، ما خلق نوعا من القلق والخوف لدى جل العاملات، ودفع ببعضهن إلى فتح الباب في محاولة للابتعاد عن الخطر، لتتدفق إثره أطنانا من المياه إلى داخل المرآب وتغمر كل مساحته المقدرة بـ 150 متر مربع، وحدثت الكارثة…

وفور إشعارها بوقوع الحادث، هرعت إلى مكان الحادث السلطات المحلية يقودها محمد امهيدية، والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، وكذا عدد من المسؤولين الأمنيين ومصالح الوقاية المدنية، التي عبأت كل إمكانياتها اللوجستية والبشرية، خاصة فرقة  “الضفادع البشرية”، التي باشرت للتو عملية الغطس في عمق يصل إلى أزيد من ثلاثة أمتار للبحث عن المفقودين، واستغرقت العملية أزيد من أربع ساعات متتالية تمكنت خلالها فرق الغطس من العثور على 28 جثة، منهم 9 رجال، وذلك أمام أعين أسر وأقرباء الضحايا، الذين وقفوا مذهولين لهول الصدمة ينتظرون على أمل العثور على ناجين، لكنهم واجهوا الحقيقة المرة بعد بداية انتشال الجثث ونقلها إلى مستودع الأموات في انتظار تعليمات النيابة العامة، حيث تعالت أصوات صراخ وبكاء في مشهد مؤلم خلف حزنا عميقا في نفوس كل الحاضرين.

 

أسباب الفاجعة

أجمع كل التقنيين أن الأسباب الرئيسة لهذه الكارثة الإنسانية، تعود لموقع الوحدة الصناعية المنكوبة، التي توجد في منحدر يعرف كل سنة، مع بداية تهاطل الأمطار، فيضانات وسيول خطيرة تحول المنطقة إلى ما يشبه وديان كبيرة، نظرا لعدم وجود مجاري وقنوات الصرف الصحي المناسبة لاستيعاب الكميات الهائلة من هذه التساقطات المطرية الغزيرة، بالإضافة إلى انحدار المرآب الذي يصل عمقه إلى حوالي ثلاثة أمتار، ما أدى إلى تدفق كميات كبيرة من المياه في وقت قياسي إلى داخل المرآب، وحاصرت جميع العمال متسببة في غرق أغلب المتواجدين بالطابق السفلي للوحدة المنكوب.

انهيار صاحب المصنع

وفقا للمعلومات، فإن صاحب المصنع، الذي تم إنقاذه هو الآخر، أصيب بانهيار عصبي حاد، نقله إثره لإحدى المصحات الخاصة بالمدينة لتلقى العلاجات الضرورية، حيث أمرت النيابة العامة بوضعه تحت الحراسة الأمنية إلى حين أن تستقر حالته الصحية، والتحقيق معه حول ظروف وحيثيات هذا الحادث المؤلم، ومعرفة إن كان المصنع يتوفر على كل الوثائق القانونية، بما فيها الترخيص لمزاولة هذه النشاط الصناعي، وكذا التأمين على الحوادث.

 

حقوقيون يستنكرون

استهجن عدد من الحقوقيين بالمدينة، وصف السلطات المحلية للوحدة الصناعية المنكوبة بأنها “سرية”، واعتبروا بلاغها هروبا إلى الأمام وتنصلا من المسؤولية القانونية لهذا الحادث، الذي أزهق أرواح عدد من العاملات والعمال الأبرياء، خلال سعيهم نحو لقمة العيش في ظروف لا تختلف كثيرا عن العبودية.

ووجه كل المتتبعين والفرقاء السياسيين بالمدينة وخارجها، أصابيع الاتهام للسلطات المحلية والإقليمية ومسؤولي جماعة طنجة، بناء على قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة، مؤكدين أنها تتساهل في منح الرخص لبعض المعامل التي لا تتوفر فيها معايير السلامة، بالإضافة لعدم مراقبتها للوحدات الصناعية السرية، التي تتخذ من مرائب بنايات وفيلات تقع وسط أحياء سكنية مقرا لها، وتتمكن من الحصول على التيار الكهربائي المرتفع دون توفرها على ترخيص من السلطات المختصة، التي تبنى تراخيصها على تقرير لجنة تضم مختلف القطاعات، الوقاية المدنية ومكتب حفظ الصحة والسلطات المحلية… 

كما حملوا المسؤولية للشركة الفرنسية “أمانديس”، المفوض لها بتدبير قطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل، التي تفرض على المواطنين والمواطنات إتاوات مالية شهرية عالية، مقابل عدم التزامها بالاستثمارات المنصوص عليها بدفتر التحملات الخاصة بقطاع التطهير، وهو الأمر الذي كشف عنه المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير.

وتنتشر بجل أحياء المدينة مئات من المعامل السرية للخياطة، تشغل الآلاف من العاملات والعمال الوافدين من مدن مجاورة، بينهم القاصرين خارج الضوابط القانونية التي تنص عليها مدونة الشغل، مستغلة عوز وهشاشة أسرهم لتشغيلهم مقابل أجور هزيلة لساعات من العمل تستمر في فترات من السنة ليلا ونهارا دون رحمة ولا شفقة، وذلك دون أي المراقبة من طرف المسؤولين عن القطاع حماية حقوق العمال، رغم أنها لا تتوفر على أدنى شروط السلامة والنظافة، من تهوية وقنوات صرف مياه الفيضانات ووسائل الحماية من الحرائق وغيرها من المستلزمات الضرورية.

لجنة مركزية تحل بالمدينة

أفاد مسؤول أمني بالمدينة، أن لجنة مركزية ستحل بالمدينة للتحقيق في فاجعة معمل النسيج، ويتوقع أن تباشر اللجنة تحقيقاتها مع عدد من المسؤولين بالمدينة، خاصة رجال السلطة الذين يزاولون مهامهم داخل النفوذ الترابي الذي يقع ضمنه المصنع، كما يحتمل أن يشمل التحقيق منتخبين على مستوى المجلس الجماعي ومقاطعة السواني، وكذا مع جميع الجهات المتدخلة في الحادث بما في ذلك، شركة “أمانديس” والوقاية المدنية، من أجل تحديد المسؤوليات.

المختار الرمشي (الصباح)

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*