عانت مؤسسات البنكية بطنجة، طيلة السنوات الماضية، من فضائح مثيرة كان أبطالها مسؤولون ومستخدمون بالمؤسسات ذاتها، الذين تحولوا من مؤتمنين على أموال وودائع زبنائهم إلى لصوص يستبيحون سرقتها، وضربوا بذلك عامل الثقة لدى عدد من الزبناء، خاصة فئة المغاربة العاملين بالخارج، الذين تعرضت حساباتهم للتلاعب والاختلاس لعدم معرفتهم بدهاليز المعاملات البنكية أو لغيابهم الطويل خارج أرض الوطن، وهو ما دفع بأغلبيتهم إلى سحب أموالهم، التي كانت تشكل رصيدا مهما من العملة الصعبة وتعد مصدرا أساسيا للحفاظ على التوازن المالي والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني بصفة عامة.
وشهدت عاصمة البوغاز، فضائح متعددة ظلت تمثل ذكريات سيئة لظاهرة الفساد وتبديد أموال الغير، ولعل أخطرها عملية اختلاس أموال من إحدى الوكالات تابعة لمؤسسة البنك الشعبي بطنجة، التي قدرت بأزيد من ملياري سنتيم، وتم اختلاسها من حسابات تجار محليين ومغاربة مقيمين في الخارج دون علمهم، وتقديمها كقروض غير موثقة لمستثمرين يقيمون في دول أوربية، الذين كانوا يعملون على استثمارها في مشاريع تجارية مشبوهة، ثم يعيدون المبالغ المقترضة إلى الوكالة البنكية مقابل عمولة متفاوتة يقدمونها لموظفي الوكالة.
وتفجرت هذه القضية، حين توصل مركز المؤسسة بالدار البيضاء بتقرير مالي أنجزه محاسبون بنكيون، الذين اكتشفوا اختلاسات مالية كبيرة بفرع طنجة، ليتم فتح تحقيق مع الموظف المسؤول عن حسابات المهاجرين بالوكالة، أسفر عن اعتقاله من قبل الوكيل العام لدى استئنافية طنجة، بعد أن ثبتت علاقته بعمليات اختلاس أموال كبيرة تعود ملكيتها لعدد من زبناء الوكالة.
وكشف تعميق البحث مع المتهم المدعو (م.ب)، عن خيوط جديدة أوصلت المحققين لعدد من العمليات غير القانونية، التي ارتفعت وتيرتها بعد أن تزايد الطلب على القروض التي تمنح بنفس الطريقة، حيث أقر المتهم بقيامه بهذه العمليات بتواطؤ مع مدير الوكالة ونائبه وموظف بنكي سابق ووسيطة مغربية، بالإضافة إلى أربعة مستثمرين مغاربة، حيث جرى إيقافهم جميعا باستثناء المستثمرين الأربعة، الذين تمكنوا من الفرار إلى الخارج، فيما تمت إحالة الموقوفين على غرفة الأموال باستئنافية الرباط بتهم تتعلق بـ “اختلاس وتبديد أموال عمومية وخاصة، وتزوير محررات بنكية واستعمالها، وقبول شيكات على سبيل الضمان والمشاركة في ذلك”، كل حسب المنسوب إليه.
وتواصلت عمليات الكشف عن فضائح الفساد والتلاعب في الحسابات الماليـة بالعديد من المؤسسات البنكية بطنجة، كانت آخرها عملية اختلاس مليار سنتيم من وكالة “البريد بنك” التي تقع بحي المجد بوسط المدينة، واكتشفتها إدارة “بريد المغرب” بعد تلقيها شكايات من بعض الزبناء تفيد باختفاء مبالغ مالية متفاوتة من حساباتهم البنكية، لتفتح الإدارة إثره تحقيقا داخليا قبل أن يعهد الأمر إلى مصالح الشرطة القضائية المختصة.
وأثناء مراجعة الكشوفات تبين وجود اختلاسات كبيرة فاقت مليار سنتيم، وطالت معظمها حسابات أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ليتم اعتقال مدير الوكالة إلى جانب المسؤول عن الصندوق، للاشتباه في تورطهما في اختلاس هذه الأموال الكبيرة من حسابات البنك، وعرضهما على أنظار محكمة جرائم الأموال بالعاصمة الرباط، التي أدانت المدير، الذي له أقدمية 25 سنة في العمل، بأربع سنوات سجنا نافذا، وحكمت على الموظف (10 سنوات أقدمية) بثلاث سنوات سجنا نافذا.
ولم تقتصر مثل هذه العمليات المتعلقة بالفساد وتبديد أموال الغير على الرجال فقط، بل سبق لموظفات أن تورطن فيها باستعمالهن حيلا ماكرة لا تقل دهاء عن زملائهم الرجال، إذ سبق لموظفة تعمل بمصلحة التحصيل الضريبي بمدينة أصيلة، أن اختلست مبلغا ماليا قدر بحوالي 400 مليون سنتيم، قبل أن تغادر التراب المغربي وتلتحق بزوجها المتواجد بالأراضي التونسية.
المختار الرمشي (الصباح)