مستشفيات طنجة.. ساعات في الجحيم (روبورتاج مع الصور)

مستشفيات طنجة.. ساعات في الجحيم (روبورتاج مع الصور)

19 نوفمبر, 2022

تعيش مختلف المؤسسات الاستشفائية بطنجة، واقعا “مريرا” على جميع الأصعدة، من خصاص مهول في التجهيزات الطبية والمعدات التقنية الأساسية، ونقص حاد في الموارد البشرية والأدوية الاستعجالية الضرورية، بالإضافة إلى تهالك البنية التحتية وضعف المداخيل الذاتية… ما بات يمثل محنة مشتركة تتقاسمها جيوش من المرضى الذين يطالبون بحقهم في التطبيب والعلاج، وطاقم طبي غير كاف لا يستطيع تلبية هذه المطالب المشروعة. 

فالاحتجاجات والملاسنات الكلامية أصبحت أمرا معتادا بجل مستشفيات المدينة، إذ لا يمكن أن يمر أسبوع أو أقل دون أن تنشب اصطدامات ومعارك بين الأطر الطبية والإدارية من جهة، وعدد من المرضى وعائلتهم من الطبقات المعوزة والفقيرة من جهة أخرى، خاصة أولائك الذين  لا يتوفرون على التغطية الصحة ويجأون إلى مستشفيات القطاع العام أملا في تلقي العلاج بأقل تكلفة ممكنة، إلا أنهم يصطدمون مع واقع يضاعف من معاناتهم الصحية والنفسية والمالية.

 

مستشفى محمد الخامس.. موعد مع العذاب

لا يختلف اثنان على الدور الهام الذي يقوم به المستشفى الجهوي محمد الخامس بالنسبة لسكان طنجة والجهة الشمالية بصفة خاصة، باعتباره الأكبر على مستوى الجهة في انتظار الافتتاح الرسمي للمركز الاستشفائي الجامعي بطنجة، إلا أنه أصبح يعيش في المدة الأخيرة وضعا كارثيا نتيجة الخصاص المهول في التجهيزات الطبية والنقص الحاد في الجانب البشري، بالإضافة إلى ضعف الإدارة وعدم قدرتها على التعامل مع هذه الاكراهات، ما يؤثر سلبا على جودة الخدمات الطبية المقدمة للمرضى وأسرهم، الذين يعانون كلما حلوا من مدن وقرى الجهة طلبا للاستشفاء والعلاج.

فالداخل إلى هذا المركز لا بد أن يثير انتباهه الطوابير والتجمعات المشكلة من عشرات المرضى ومرافقيهم، الذين يظلون لساعات طوال ينتظرون دورهم بمدخل الإدارة من أجل الاستشارة، أو بقسم المستعجلات وأمام مكاتب الأطباء والأقسام المختصة لتلقي العلاجات الضرورية، ناهيك عن الفوضى العارمة بقسم الولادة، الذي يمثل كابوسا بالنسبة للنساء الحوامل، اللواتي يتعرضن للابتزاز والتعنيف النفسي والجسدي في غياب أي تدخل لمدير المستشفى، الذي يكتفي بمتابعة الوضع عبر كاميرات المراقبة، وتفرج في المواجهات عنيفة التي تنشب بين المواطنين والعاملين بهذه المؤسسة، وتنتهي أغلبها بمراكز الشرطة وردهات المحاكم.

والأخطر ما في الأمر هو تخلي عناصر الأمن الخاص عن المهام الموكولة إليهم، وتقمصهم دور السماسرة والوسطاء، يتكفلون بتسهيل كل الإجراءات بما فيها الشواهد الطبية وتحديد المواعيد مع الأطباء الاختصاصين وتقريب تواريخ إجراء العمليات وإنجاز الكشوفات الطبية والصور والتحاليل المطلوبة، وذلك مقابل مبالغ مالية تدفع مسبقا وتحدد حسب نوعية الخدمات المقدمة، وهي سلوكات مشينة أصبحت تتكرر “بالعلالي” يوميا وبعلم جميع المسؤولين بمختلف رتبهم ومهامهم.

 

مستشفى القرطبي للاختصاصات.. احتقان ومعانات

في غياب أي رؤيا مستقبلية لهذا المركز الاستشفائي الهام، الذي يحتضن أبرز التخصصات على رأسها طب العيون والأنف والحنجرة والأذن والأسنان والجهاز العصبي والمفاصيل… يعيش المركز وسط مشاكل مستعصية واختلالات لا تختلف عن باقي المراكز الاستشفائية بالمدينة، من ضعف البنيات التحتية ونقص في عدد الأطر الطبية والتمريضة، أضف إليها قدم المعدات والتجهيزات البيوطبية التي طال عليها الزمن وأصبحت غير صالحة للتشغيل، وكذا افتقار الإدارة للكفاءة والخبرة المهنية في مجال التسيير وتدبير الأزمات.

ويشكل الاكتظاظ وطول المواعيد المخصصة للفحص الطبي وإنجاز العمليات، مشكل حقيقي بالنسبة للمرضى وأسرهم، الذين يضطر بعضهم إلى التوجه إلى المصحات الخاصة، في حين يلجأ آخرون إلى الاحتجاج كوسيلة لإثارة انتباه المسؤولين لمشاكلهم المستعصية، وعلى رأسها تخلي الإدارة عن نظام المداومة بالمركب الجراحي خلال العطل الأسبوعية وفي الأعياد، وإلزامها المرضى غير القادرين على التوجه إلى المصحات الخاصة الانتظار إلى نهاية العطل، رغم أن بعض الحالات تتطلب تدخلا عاجلا، لاسيما بالنسبة لمرضى العيون.

ولازالت الأطر الطبية والشبه الطبية العاملة بهذا المستشفى، الذي يحلو لسكان المدينة تسميته بـ “مستشفى مرشان”، تعيش حالة نفسية متوترة بعد أن شاعت أخبار تؤكد عزم الوزارة على تحويل المستشفى مستقبلا إلى ملحقة تابعة للمستشفى الجامعي الموجود خارج المجال الحضري لطنجة، وهو ما أثر بشكل سلبي على الخدمات والعلاجات التي يقدمها هذا المرفق الاستشفائي الهام، الذي يمثل معلمة صحية يتجاوز تاريخها 100 سنة.

 

 احتقان واحتجاجات دائمة

كل المواطنين الذين التقت بهم “الصباح” أجمعوا على أن مشاكل المستشفيات العمومية بطنجة معقدة لا حصر لها، وركزوا على قسم المستعجلات والولادة والأطفال والجراحة بالمستشفى الجهوي محمد الخامس بالمدينة، الذي قالوا عنه إنه “مستنقع للزبونية والفساد”.

وذكر أحد المرضى الغاضبين، أن معاناة الطبقة المستضعفة بهذا المركز الاستشفائي تتجلى في صعوبة تحديد موعد مع طبيب اختصاصي أو من أجل إجراء عملية جراحية، إذ يتطلب الأمر الانتظار لأزيد من ستة أشهر أو أكثر، أو الاستعانة بأحد السماسرة الذين أصبح المريض بالنسبة لهم محفظة نقدية يسعون جاهدين لإفراغها في جيوبهم.

وقال المصدر، “إياك أن تطالب بالعلاج دون أن يكون لك وسيط يسهل عليك المأمورية ويحدد لك موعدا مناسبا مع الطبيب الذي تحتاجه، كما يسهل عليك إجراء كل الفحوصات والتحليلات التي تكلف بالخارج المال الوفير”.

ومن المشاكل العويصة التي يشتكي منها الجميع، يقول المصدر، الأعطاب المستمر لأجهزة الراديو والسكانير، التي تتوقف عن العمل في أوقات متقاربة وتظل معطلة لعدة أسابيع وشهور، ما يؤدي إلى الاعتقاد بأن الأمر متعمد ويتم بتنسيق بين الإدارة والمصحات الخاصة والمختبرات التي تستفيد من هذه الأعطاب، علما أن معظم هذه الأجهزة والمعدات الطبية تتوفر على عقود للصيانة والإصلاح.

 

نقابيون يوجهون سهامهم للوزارة الوصية

أجمعت كل الفعاليات النقابية بمختلف انتماءاتها السياسية، على أن الوضع بكل المراكز الاستشفائية بالمدينة أضحى يمثل معاناة حقيقية بالنسبة لكل المواطنين، سواء المرضى أو عائلاتهم، ويساهم في تعميق معانات كل العاملين بالقطاع، الذين أصبحوا يشتغلون في ظروف صعبة نتيجة ضعف الإمكانيات والتجهيزات التي لا تتوافق مع مدينة مليونية، محملين كامل المسؤولية للوزارة الوصية.

وفي هذا الصدد، ذكر عبد الصمد المرابط، الكاتب الإقليمي للجامعة الوطنية للصحة بطنجة، المنظوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، أن قطاع الصحة بالمدينة والإقليم عامة يعيش واضعا كارثيا لا يحتمل التأجيل والتسويف، ويتطلب البحث عن حلول ملموسة وواقعية في إطار رؤية تشاركية واضحة تعيد الاعتبار لقطاع الصحة العمومية.

وقال المرابط لـ “الصباح”، إن “النهوض بهذا القطاع الحيوي الهام، يتطلب الكف عن أسلوب المماطلة وسياسة الهروب إلى الأمام، التي ينهجها المسؤولون الجهويون والمركزيون تجاه المطالب المشروعة للمواطنين والأطر الصحية، المتمثلة في دعم البيات التحتية وتوفير الأطر الكافية والتجهيزات والأدوية اللازمة، وكذا توفير الأمن للعاملين داخل المستشفيات العمومية وحمايتهم من الاعتداءات المتكررة عليهم من قبل بعض المواطنين المتهورين.

وبخصوص ظاهرة الرشوة، التي أصبحت مستشرية بالمؤسسات الاستشفئية بالمدينة، خاصة بقسم الولادة بمستشفى محمد الخامس، أوضح المسؤول النقابي أن هذه الممارسات “خط أحمر” لا يمكن الدفاع عنها والتساهل معها، مؤكدا أنه يجب على المسؤولين فتح تحقيق في الموضوع واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق كل من تبث تورطه في هذه الأفعال المشينة، مشددا على ضرورة تحلي نساء ورجال الصحة باليقظة وروح المسؤولية لمواجهة مثل هذه الممارسات الشاذة، ومحاربة السماسرة والدخلاء على القطاع، خاصة المتطوعين التابعين للجمعيات، الذين يتم الاستعانة بهم لسد الخصاص.

 

مسؤولون يتهربون    

لتسليط الضوء أكثر على الوضع الصحي بعاصمة البوغاز، اتصلت “الصباح” بعدد من المسؤولين عن القطاع بالمدينة، إلا أنهم جميعا امتنعوا عن إعطاء أي تصريح في الموضوع، بما فيهم المديرة الجهوية للصحة، التي تحججت بوجودها في مهمة خارج أرض الوطن.

وفي غياب أي تصريح رسمي، قبل مصدر طبي التحدث في الموضوع شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من العقاب، وذكر أن كل ما يتم تداوله عن الوضع الصحي بالمدينة يطبعه نوع من المزايدات، لأن الوضع ليس بهذه الصورة القاتمة، خاصة أن عددا من المشاكل المطروحة تم حلها نهائيا ومنها ما هو في طريقه إلى الحل.

 وقال المصدر إن “الوضع الصحي بالمدينة تحسن مقارنة بالسنوات الماضية، إذ تم إحداث عدد من مستشفيات القرب، التي أنجزت في إطار برنامج “طنجة الكبرى”، ومن بينها مستشفى بني مكادة، بالإضافة إلى الإصلاحات التي شملت جل المؤسسات الاستشفائية بالمدينة، التي زودت بأجهزة جد متطورة، كجهاز الفحص بالرنين المغناطيسي “ليريم”، وأجهزة أخرى للفحص بالصدى من الجيل الثالث، وأخرى للفحص بالأشعة فوق البنفسجية، وذلك من أجل امتصاص الغضب المرتفقين في أفق الافتتاح الرسمي للمستشفى الجامعي بالمدينة.

ولم ينف المصدر الممارسات المشينة التي تشهدها جل المراكز الاستشفايئة بالمدينة، التي يكون المواطن ضحيتها كالرشوة والزبونية، وخص بالذكر المستشفى الجهوي محمد الخامس، الذي يعرف عدة تجاوزات وخروقات يصعب إيقافها أو الحد منها، في ظل صمت إدارة المؤسسة وعدم تدخلها لإيقاف هذا التسيب الذي يؤثر سلبا على الخدمات المقدمة لفائدة سكان المدينة، مشددا على ضرورة إيفاد لجنة لتقصي الحقائق للوقوف كل ما يجري داخل هذه المؤسسة الصحية، ومحاسبة كل المتورطين والمتواطئين معهم.

المختار الرمشي (جريدة الصباح)

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*