أصبحت حوادث السير المميتة داخل المدار الحضري بطنجة، تعتبر من الأحداث العادية التي تدون ملفاتها وتصفف فوق رفوف مصلحة حوادث السير، إذ لا يكاد يمر يوم واحد دون أن تسجل فيه شوارع المدينة، التي صنف ضمن أخطر الشوارع والممرات في المغرب، حوادث سير أودت بحياة عدد من المواطنين وإصابة عشرات بعاهات المستديمة وجروح خطيرة.
واستغرب سكان عاصمة البوغاز، من الحالة التي أصبحت عليها الشوارع الرئيسة بالمدينة بعد تأهيلها وتوسيعها في إطار مشروع “طنجة الكبرى” إذ أصبحت تمثل خطرا دائما على أرواح الراجلين، بعد انكشاف العيوب والأخطاء المرتكبة من قبل المهندسين والمسؤولين عن المشروع، المتمثلة أساسا في إزالة حاجز الوسط الذي كان يفصل بين اتجاهي الذهاب والإياب ويعتبر بمثابة ملاذ آمن للراجلين من تهور بعض السائقين، وكذا الاستغناء عن علامات التشوير والإشارات الضوئية في أغلب المحاور الطرقية، خصوصا في بعض الشوارع الرئيسة كمحج محمد السادس وشارعي الجيش الملكي ومولاي رشيد (الزياتن)، التي تتحول إلى طرق سيارة وميادين للسباق وممارسة هواية التحفيص.
وتظهر الأرقام الرسمية أن المدينة تسجل مستويات مرتفعة في حوادث السير، مقارنة بالمدن الكبرى والمتوسطة، بعدما ازدادت خطورتها مع إحداث الممرات تحت أرضية، التي حفزت بعض السائقين المتهورين على إطلاق العنان لحماقاتهم والسياقة بسرعة جنونية متسببين في حوادث مميتة، من أخطرها مصرع عنصر جمركي ومرافقته حرقا بعدما اصطدمت سيارتهما بقوة مع سيارة أخرى كانت تسير في نفس الاتجاه بالممر تحت أرضي القريب من منطقة بني مكادة وسط المدينة، ما خلف حالة من الحزن والألم في نفوس كل المواطنين الذين عاينوا ذلك المشهد المؤسف للغاية.
حقوقيون يحتجون
عبر جمعويون وفاعلون مدنيون عن قلقهم من استمرار المخاطر المحدقة بمستعملي الطريق بعاصمة البوغاز، خصوصا الذين يقطنون قرب طرق طويلة وممتدة، وحملوا الجهات المعنية مسؤولية إزهاق أرواح المواطنين، لعدم تشييد قناطر علوية للراجلين، وتشديد المراقبة على كل من لا يحترم قوانين السير، وتعميم كاميرات المراقبة على مختلف شوارع المدينة لضبط المخالفين والتخفيف من وطأة هذه الحوادث القاتلة.
وسبق لمكتب رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بطنجة، أن نبه السلطات الولائية للحوادث المتصاعدة بشوارع طنجة، بسبب فوضى حركة السير وعدم تطبيق القانون وانعدام الضمير، إلا أن المسؤولين، بحسب الرابطة، لم يعيروا أي اهتمام لكل الصيحات المطالبة بوقف الخطر المحدق بحياة المواطنين في عدد من المحاور الطرقية، وتطبيقهم للقانون من أجل حماية المواطنين من أخطار الطرقات التي أصبحت لا ترحم.
من جهته، ذكر عبد الله الزايدي، وهو ناشط حقوقي بالمدينة، أنه رغم التقدم العلمي، وتزويد معظم شوارع المدينة بكاميرات مراقبة جد متطورة تتعرف على لوحات الترقيم وتحسب سرعة الحركة بطريقة دقيقة، لم تتوقف السيارات الهائجة التي تجوب الشوارع الرئيسة بالمدينة عن حصد مزيد من الأرواح، متسائلا عن الدور الاستباقي لشرطة المرور، التي يتوجب عليها توقيف المخالفين من المراهقين و”أولاد الفشوش” وتغريمهم وإرسال سياراتهم إلى المحجر قبل فوات الأوان.
وأكد الزايدي، أن عددا من التجاوزات في تطبيق قوانين السير تسببت في إزهاق أرواح بريئة، خاصة حوادث سيارات نقل العمال، التي يتعمد سائقها التهور والسير بسرعة مفرطة، وكذا الدراجات ثلاثية العجلات (تريبورتور)، التي تحمل عشرات الأشخاص رغم أنف كل القوانين، بالإضافة إلى الدراجات القوية ذات العجلتين التي تتخطى جميع الحواجز والسدود كأنها غير مرئية، ناهيك عن عشاق التفحيط، الذين يحولون الطرقات والشوارع إلى حلبة للسباق ويوقظون بصوت عجلاتهم الأطفال والشيوخ والمرضى في منتصف الليل…
مجسمات تعبيرية
تعبيرا عن رفضهم واستنكارهم لاستمرار حوادث السير بالمدار الحضري للمدينة، سبق لسكان أحياء مختلفة بطنجة أن قاموا بصناعة مجسمات معبرة عن خطر الموت، ونصبوها بالأعمدة الكهربائية الموجودة على طول عدد من الشوارع، خاصة بشارع مولاي رشيد، الممتد من حي فال فلوري إلى أسواق السلام، الذي أصبح يمثل بالنسبة لهم شارع الموت باستحقاق.
وشهد هذا المقطع الطرقي الخطير، في الآونة الأخيرة، عدة حوادث مميتة، من بينها مصرع طبيبة حامل في شهرها الثامن، التي صدمتها سيارة حين كانت تهم بعبور طريق بالقرب من مجمع “رياض السلام”، وتفاجأت بسيارة تابع لشركة محلية للنقل العمال، كان سائقها يسير بسرعة مفرطة لم يتمكن من تفادي الطبيبة، ورمى بها على بعد حوالي 60 متر، قبل أن يفر من مكان الحادث.
ورغم كل المحاولات التي بذلتها الأطقم الطبية وشبه الطبي بالمستشفى الجهوي محمد الخامس لإنقاذ حياتها وجنينها، لم تستطع المرحومة مقاومة جروحها الخطيرة في الرأس وأنحاء متفرقة من جسدها، لتسلم الروح لباريها وتلتحق بالرفيق الأعلى.
إجراءات لحماية الراجلين
أمام تعدد حوادث السير المميتة بعاصمة البوغاز، عملت، أخيرا، لجنة السير والجولان بجماعة طنجة على تثبيت مجموعة من أجهزة المراقبة والمعاينة (الرادارات) بمختلف الشوارع الرئيسة بالمدينة، التي تعد نقطا سوداء لمستعملي العربات والراجلين، منها كورنيش المدينة انطلاقا من مدار “ماكدونالز” في اتجاه فندق سيزار، وبطريق مرقالة من الميناء الترفيهي في اتجاه حي ادرادب، وبشارع مولاي رشيد من مدارة القاعة المغطاة في اتجاه أسواق السلام، وبطريق تطوان وغير من الطرقات…
وأعلنت لجنة السير والجولان بجماعة طنجة، أن هذه التدابير المعلن عنها بتنسيق مع مصلحة النقل الطرقي بالمديرية الجهوية للتجهيز والنقل واللوجيستيك، ومصلحة السير والجولان بولاية الأمن بطنجة، تندرج في إطار الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية للعشرية 2017-2026، التي “من تداعياتها تعزيز المراقبة الآلية لمخالفات قانون السير”، وكذا في إطار “التحضير الجيد لضمان أسباب نجاح هذا الورش الذي سيكون له الأثر البالغ في تحسين مؤشرات السلامة الطرقية على المستوى الوطني والمحلي”.
المختار الرمشي (الصباح)