سماسرة المحاكم بطنجة.. سيطرة مطلقة

سماسرة المحاكم بطنجة.. سيطرة مطلقة

يزاولون أنشطتهم المشبوهة في الظاهر والخفاء ويتجولون بقاعات المحاكم ومكاتب القضاة

7 يونيو, 2023

نددت عدة أصوات حقوقية نزيهة بمدينة طنجة باستفحال “داء السمسرة” ومظاهر الفوضى داخل أروقة محاكم المدينة، بعد أن تحولت إلى مقرات رسمية لعدد من السماسرة المحترفين، الذين تجدهم يتجولون بقاعاتها ومكاتبها بكل حرية وكأنهم موظفين بها، ويقومون بإنجاز كل الإجراءات وتسريعها مستغلين علاقتهم المشبوهة مع بعض موظفين ضعاف الضمير.

فبقيامك بجولة واحدة داخل محاكم عاصمة البوغاز كافية لاكتشاف حقيقة ما يجري من قصص وحكايات أبطالها سماسرة يحسنون تصيد مواطنين أرهقهم ارتفاع أتعاب بعض المحامين أو يرغبون في كسب ملفاتهم بأي طريقة ممكنة، فيحتالون عليهم بكلام معسول والتظاهر بالنفوذ وقدرتهم على التدخل لدى القضاة وأصحاب القرار للحسم في أي قضية، ما يجعل الضعاف منهم يسقطون في حبالهم ويدفعون لهم أموالا قبل أن يكتشف أمرهم ويختفون عن الأنظار.

عدد كبير من هؤلاء السماسرة يزاولون أنشطتهم المشبوهة في الخفاء داخل المحاكم، ويعرضون خدماتهم على المتقاضين وأسرهم حتى أصبحت وجوههم مألوفة لدى الجميع، فيما يتخذ آخرين من المقاهي المجاورة للمحاكم ومحلات الكتاب العموميين مقرا لهم، بينما يناقش السماسرة الكبار فصول القضايا الوازنة بالفنادق المصنفة والمقاهي الفاخرة بعيدا عن أعين المتربصين.

أما بخصوص جرائم التهريب والاتجار في المخدرات، فإن عدد من الملفات الشائكة كان للسماسرة دور كبير فيها، إذ أكدت أصوات حقوقية أن ملفات عديدة شابها التواطؤ ولعب فيها مال المخدرات دورا كبيرا، مبرزة أن وسطاء تدخلوا في قرارات صدرت في حق أباطرة المنطقة، منهم من حصل على البراءة ومنهم من متع بأحكام مخففة بناء على علاقات مشبوهة تربط بين سماسرة نافذين وبعض الجهات القضائية بالمدينة.

شكايات طالها الكتمان

سبق للجهات الوصية على القطاع، أن توصلت بسيل من الشكايات الموقعة والمجهولة، التي تحدث محرروها عن ملفات قضائية بعينها صدرت بشأنها أحكاما حامت حولها شبهات محتملة، وتحمل مضامين وتفاصيل مثيرة حول طريقة معالجتها وأسماء وصفات بعض السماسرة المتدخلين فيها، حيث أجريت بشأنها أبحاث إدارية معمقة لاستبيان الخروقات المزعومة، إلا أن نتائجها طالها الكتمان وظلت حبيسة الرفوف إلى أن لفها النسيان، إذ لم تتخذ في حق المشتبه فيهم أدنى إجراءات عقابية تذكر، ما أكد للرأي العام المحلي أن هذه الجهات نافذة لا يمكن أن يطبق في حقها القانون.

وبالرغم من دخول المصالح الأمنية المختصة على الخط، التي قامت، في مرات متعددة، بإعداد تقارير مفصلة عن تحركات هؤلاء السماسرة، خاصة المتواجدين بأبواب محاكم المدينة وسراديبها وعلى شريط المقاهي المنتشرة بالقرب منها، وكذا أولائك الذين يعيشون في الظلام ويعملون على قضاء أغراضهم الدنيئة بواسطة هواتفهم المحمولة، بالرغم من ذلك، لازال هؤلاء السماسرة يتناسلون بسرعة فائقة ويسعون بشتى الوسائل لبناء ثروات على حساب هذا القطاع عبر نوافذ متعددة تشمل المعتقلين وقضايا التهريب والمخدرات والتزوير والترامي وغيرها…

تدمر واستياء

أعرب عدد من المتقاضين والمحامين النزهاء في مدينة طنجة عن تذمرهم واستياءهم البالغين إزاء هذه الظاهرة، التي أصبحت الوجه البارز والسمة الطاغية بكل المرافق القضائية بالمدينة، إذ يكاد الجميع أن يخلص إلى أن الداخل إليها يحتاج إلى التسلح إما بالصبر أو المال، سواء كانت حاجته تتعلق بمعرفة مآل قضية أو مصير معتقل أو الحصول على شواهد أو مستندات أو الإطلاع على نتائج تخص بعض الحقوق…

وسبق لمجموعة من المهتمين بالشأن المحلي بطنجة، أن دقوا ناقوس إنذار بخصوص تنامي ظاهرة السمسرة، التي أضحت تنخر قطاع العدالة وتضع استقلالية القضاء ومصداقيته في مهب الريح، وتتسبب في الإحباط النفسي والذاتي لكل المنخرطين في هذا القطاع، من متقاضين ومحامين وقضاة وأطر وموظفين…

إكراهات وحلول

من جهتها، لم تخف مصادر قضائية مسؤولة امتعاضها من الانتقادات والنعوت الموجهة للمنظومة القضائية بالمدينة، مؤكدة أن معظمها غير واقعي ويتنكر أصحابها عن قصد مع سبق الإصرار للمجهودات التي يبذلها القضاة وكثير من المسؤولين من أجل التغلب على عدد من الإكراهات والمعيقات البنيوية، المتمثلة في قلة الأطر وغياب الإمكانيات وكثرة المسؤوليات والصراع مع اليومي، وهي من العوامل الرئيسة التي تؤثر سلبا على مردودية القضاة، وتجعل الوظائف لا تنجز في وقتها بكيفية تحقق العدالة وتضمن الحقوق.

وقالت المصادر إن “محاربة كل الذين يعيشون في الظلام ويسعون بشتى الوسائل للإساءة للقضاء، هي مسؤولية مستعجلة لا يمكن أن تتم في ظل غياب قانون صارم يعزز الإصلاحات ويعطي مصداقية لسلطة القضاء، وتستدعي أكثر من أي وقت مضى العمل المشترك بين المجتمع المدني والتنظيمات المهنية ووسائل الإعلام وباقي السلطات العمومية الأخرى، بدلا من الوقوف ضد المؤسسات القضائية ونعتها بصفات تكون في الكثير من المناسبات غير واقعية وتحتاج إلى مراجعة…

المختار الرمشي (الصباح)

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*