تشهد مناطق شاسعة من أوروبا والمغرب موجات حر شديدة وغير مسبوقة خلال موسم صيف 2025، في مشهد يترجم بوضوح التداعيات الملموسة للتغير المناخي الناجم عن الاعتماد المستمر على مصادر الطاقة الأحفورية. فقد أظهرت دراسة حديثة أن موجة القيظ الأخيرة التي ضربت مدنا في غرب أوروبا، مثل باريس ولندن ومدريد، كانت أشد حرارة بدرجتين إلى أربع درجات مئوية عما كانت ستكون عليه في حال غياب الاحترار المناخي.
وخلصت هذه الدراسة، التي أنجزها فريق بحثي من خمس مؤسسات أوروبية بقيادة “إمبريال كوليدج” بلندن، إلى أن الظواهر الجوية المتطرفة أصبحت أكثر تواترًا وحدة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
وباعتماد نماذج محاكاة تستند إلى بيانات الأرصاد الجوية، قدر العلماء أن التغير المناخي فاقم بشكل مباشر من شدة موجة الحر، وهو ما يُفسر تسجيل أعداد كبيرة من الوفيات المبكرة المرتبطة بالحر الشديد في المدن المعنية.
وصرح الباحث بن كلارك، أحد المشرفين على الدراسة، أن “الاحترار المناخي ساهم في زيادة درجات الحرارة بنحو درجتين إلى أربع درجات في الغالبية الساحقة من المدن التي خضعت للدراسة”. هذه الزيادة الحرارية، وإن بدت رقما مجردا، إلا أنها تحدث فرقا بالغ الأثر على المستوى الصحي، خاصة لدى الفئات الهشة كالمسنين والأطفال والمرضى والعاملين في الهواء الطلق.
وتقدر الدراسة أن ما لا يقل عن 2300 وفاة مبكرة سُجّلت بين 23 يونيو و2 يوليو في 12 مدينة أوروبية، وأن 1500 حالة منها تقريبا، أي ما يقرب من الثلثين، يمكن نسبتها بشكل مباشر للتغير المناخي الناتج عن النشاط البشري المكثف، لا سيما الإفراط في استهلاك الفحم والنفط والغاز.
ويعيش المغرب أيضا على وقع درجات حرارة مفرطة تجاوزت في بعض المناطق 46 درجة مئوية، وسط مخاوف من تداعياتها على الصحة العامة والأمن الغذائي والموارد المائية. فقد باتت موجات الحر الطويلة، مصحوبة بليالٍ حارة تعرف بـ”الليالي المدارية”، تمنع الجسم البشري من استعادة توازنه الحراري، مما يفاقم من حالات الإجهاد الحراري ويزيد من أعداد الوفيات، خاصة داخل المنازل والمستشفيات، بعيدًا عن الأعين.
ويحذر الباحثون من أن هذه الظواهر ليست إلا مقدمة لمستقبل أكثر سخونة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات حازمة وسريعة للحد من الانبعاثات الكربونية والانتقال إلى اقتصاد أخضر مستدام. وقال غاريفالوس كونستانتينيديس، من “إمبريال كوليدج”، إن “الفرق بين الحياة والموت في هذه الحالات قد لا يتعدى درجتين فقط، ولهذا تعد موجات الحر القاتل الصامت الذي لا يبلغ عنه إلا بعد فوات الأوان”.
ويتوقع أن تتواصل التحذيرات من السلطات الصحية في أوروبا والمغرب على السواء، خاصة مع استمرار الأبحاث لتحديد الحصيلة النهائية للوفيات، وهو أمر قد يستغرق أسابيع، علمًا أن موجات حر مشابهة في السنوات الماضية أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص.
أمام هذا الواقع، تبدو الحاجة ملحة إلى تدبير بيئي حازم، وتعزيز خطط التكيف مع المناخ، واعتماد إجراءات حمائية للفئات الهشة، لتقليص الأخطار المتزايدة الناتجة عن ظاهرة الاحترار العالمي، التي لم تعد مجرد تحذير علمي نظري، بل أصبحت واقعًا ميدانيًا قاتلًا في شوارعنا ومدننا.