ليل طنجة عالم مثير يختلف تماما عن السائد أو مألوف في النهار، إذ تشهد المدينة ليلا حركة دؤوبة وغير عادية، خاصة بالشوارع الرئيسة والمناطق السياحية التي تحتضن سلسلة من الفنادق الفخمة والنوادي الليلية والحانات والمراقص من مختلف الدرجات، وتقام بها سهرات ماجنة تمتد إلى ما بعد شروق الشمس، تعقد داخلها صفقات كبرى في الاتجار الدولي للمخدرات، إلى جانب شبكات الدعارة المنظمة، التي تجعل من الليل فرصة لاستقطاب الباحثين عن المتعة الجنسية من داخل المغرب وخارجه.
يبدأ الليل في طنجة حين تظهر للعيان عشرات السيارات الفارهة، وهي تتراكض على طول الشريط الساحلي “الكورنيش”، وحين يصادفك صنف خاص من العاهرات وهن يهرولن شبه عاريات لولوج أحد الفنادق المصنفة، ويبتدئ أيضا حينما يظهر أشخاص يوصفون بـ “أباطرة الليل”، جلهم من كبار بارونات المخدرات، الذين يملؤون الملاهي الليلية، حيث تقام بها يوميا سهرات “نايضة” لفائدة زبناء المتعة المحرمة، وتخفي وراء أضوائها البراقة عالما آخر من المصالح والعلاقات المشبوهة.
أباطرة الليل، قد لا يكونون بالضرورة أشخاصا ذاتيين، بل أيضا النوادي الليلية وملاهي الرقص والحانات المشهورة، التي يحج إليها علية القوم ويتراوح رقم معاملاتها الليلية ما بين 50 و60 مليونا يوميا، إذ لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها، وتحظى بمعاملة تفضيلية من قبل الأمن ورجال الاستعلامات، الذين تكتفون بالوقوف أمام هذه الملاهي فقط لضبط حركة السير والجولان وتسهيل عملية الولوج إليها، وهو ما يجعلك تعتقد أن هذه العناصر لا شأن لها بما يحصل في الداخل من انحراف وفساد، ولا دخل لها بأوقات العمل، وأن مراقبة ذلك يتطلب قرارا حكوميا جريئا مصادق عليه من قبل ممثلي الشعب تحت قبلة البرلمان.
أباطرة الجنس أيضا هم من أصحاب الليل بعاصمة البوغاز، إنهم سماسرة الدعارة الراقية، الذين تجدهم بالفنادق الراقية والمراقص الليلية المختلفة، وكذا داخل مقاهي “الشيشا”، التي لا تغلق أبوابها إلا في ساعات متأخرة من الليل، حيث تعقد بداخلها صفقات يشرف عليها عدد من الوسطاء، الذين يقدمون لزبنائهم، وغالبيتهم من أباطرة المخدرات وبعض السياح الخليجيين، أشكالا مختلفة من بائعات الهوى، بل حتى الشواذ أو المثليين يتم عرضهم بأثمنة تفضيلية.
يقول “سعيد”، وهو نادل بأحد الكاباريهات الشهيرة بالمدينة، إن “ما أراه كل ليلة تجاوز حدود الترفيه العادي منذ سنوات، فالزبائن يأتون من كل مكان، بعضهم رجال أعمال معروفون، وآخرون أجانب يحملون جوازات سفر أوروبية وخليجية، لكن ما يجري في الزوايا المعتمة خطير جدا لا يمكنك الاطلاع على تفاصيله سهولة”، مبرزا أن ترويج الكوكايين يتم بحذر شديد عبر حلقات صغيرة مرتبطة بزبائن محددين. أما الأسعار”يقول سعيد “لا تسأل عنها، لأنها باهظة لكنها تجد من يدفع دون تردد”.
وبالحديث عن الدعارة والمخدرات بطنجة، لا يمكن استثناء شارع الأمير مولاي عبد الله، المعروف لدى الطنجاويين بحومة “الشياطين”، الذي يعتبر أقدم وأشهر مكان للمارسة الدعارة بمدينة البوغاز، رغم أن نجمه بدأ يخبو نسبيا في السنين الأخيرة، نظرا لوجود أماكن أخرى تنافس على الريادة.
فهذا الشارع، الذي يعد ملجأ مثاليا لتجار الخمور والمخدرات على اختلاف أنواعها وأصنافها وقيمتها أيضا، فهو يوفر لمرتاديه، أماكن معدة لممارسة الجنس، من شقق وحانات ليلية تستغل فضاء للتفاوض، وهامش كبير للاختيار، إذ تجد هنا بائعات الهوى من مختلف الأعمار أبرزهن قاصرات وتلميذات مستعدات لفعل أي شيء مقابل مبالغ مالية محترمة.
ورغم المداهمات والتدخلات التي تقوم بها المصالح الأمنية بين الفينة والأخرى، وتسفر عن توقيف العشرات من المشتبه فيهم، بينهم مسيرو ملاه ليلية وشقق مفروشة، تظل طنجة تعيش على إيقاع هذه المشاهد والصور اليومية المثيرة، التي أضحت روتينية تمارس بشكل طبيعي في عدد من النوادي الليلية وحانة شرب الخمور، التي فاق عددها بالمدينة مئتين، إذ بين جهود السلطات للحد من هذه الظواهر، واستمرار إغراءات المال والنفوذ التي تغذيها، يبقى السؤال معلقا: هل تستطيع طنجة الحفاظ على صورتها كعاصمة سياحية عالمية، دون أن تظل أسيرة هذا الليل المزدحم بالأسرار؟
المختار الرمشي (الصباح)