مجلس طنجة.. حلبة للصراع والتطاحن

مجلس طنجة.. حلبة للصراع والتطاحن

تفكك وانشقاق داخل التحالف الثلاثي ومطالب بتدخل السلطات المحلية لإنقاذ الجماعة من يد العابثين

15 يناير, 2023

يعيش المجلس الجماعي لطنجة مخاضا مؤلما نتيجة لأزمات وصراعات داخلية حادة تقف حاجزا لتحقيق ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ المنشودة، نتيجة تحول المجلس، بكل مكوناته السياسية، إلى حلبة للصراع والتطاحن،  يبحث فيها كل طرف عن فرصة مواتية لتوجيه الضربة القاضية إلى الطرف الآخر، بما فيها أحزاب التحالف الثلاثي المكون من التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال، التي تخلت هي الأخرى عن دورها في تدبير الشأن العام وساهمت في تأجيج فتيل الحرب داخل أسوار الجماعة، في غياب تام للسلطات الوصية، التي تكتفي حاليا بدور المتفرج.

إن المتأمل لما يحدث داخل المشهد السياسي بعاصمة البوغاز، يتولد لديه انطباع سيئ عندما يقف على حقيقة الصراعات والحروب الطاحنة بين مكونات المجلس الجماعي للمدينة، التي تشتعل حرارتها يوما بعد يوم وتتجه من سيء إلى أسوء، لا سيما بعد أن بدت جلية معالم التفكك والانشقاق داخل الأغلبية، التي تظم أحزاب الأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال والاتحاد الدستوري، على خلفية الحملات العدائية التي يقودها في الخفاء حزب “الحمامة”، بتزكية من أحزاب المعارضة وأعضاء من داخل الأغلبية، من أجل الإطاحة بعمدة المدينة، منير ليموري، حليفهم المنتمي لحزب “البام”، نتيجة صراعات حزبية وشخصية وصفها المتتبعون للشأن المحلي بـ “الضرب من تحت الحزام”.

تفاصيل الأزمة

بعد مرحلة من الهدوء الحذر، التي دامت حوالي ستة أشهر لا أكثر على اقتسام الكعكة الانتخابية بين التحالف الثلاثي (الأحرار والبام والاستقلال)، بدأت الأزمة السياسية بمجلس جماعة طنجة تتخذ مسارا جديدا يطبعه التوتر والعبث بمصلحة المواطن، التي انحدرت إلى ذيل اهتمامات مكونات المجلس، نتيجة تجاذبات سياسية وصراعات “كسر العظام” بين عمدة المدينة، وعدد من حلفائه ممن يرون فيه “عدوا” لمصالحهم.

وجندت هذه الكائنات الانتخابية كل الوسائل “الدنيئة”، أغلبها تتم من تحت الطاولة، لإلجام وكبح جماح حليفهم البامي، الذي سبق أن توافقوا عليه ودعموه في بداية “اللعبة” رغم افتقار مساره لأبجديات العمل السياسي، إلا أنهم انقلبوا عليه حينما رفض الانخراط في مخططاتهم المشبوهة ووقف حجرة عثرة في وجههم، ليعلنوا أخيرا، في رسالة وجهوها إلى والي الجهة ورئاسة المجلس، سحب ثقتهم منه واصفين إياه بـ “الشخصية غير القادرة على تدبير شؤون المدينة وقيادة السفينة نحو بر الأمان”.

تدمر وانتقادات واسعة

شكل موضوع الخلافات الحادة بين مكونات المجلس الجماعي لطنجة، محور نقاشات مستفيضة ومتضاربة بين الفاعلين والمهتمين بالشأن المحلي بالمدينة، الذين عبروا عن امتعاضهم لما وصل إليه ممثليهم، حينما انساقوا وراء مصالحهم الشخصية، وﻀربوا ﻋﺭﺽ ﺍﻟﺤﺎﺌﻁ ﻜل العهود التي التزموا بها أمام سكان المدينة، خاصة الأحياء الثانوية والمهمشة، التي لم تنل ما تستحقه من الاهتمام وعناية.

وعبر عدد من المواطنين في تصريحات متفرقة، عن استيائهم وتدمرهم من أداء المجلس وإهماله للحياة العامة، مبرزين أنه لم يحقق لهم الحد الأدنى لطموحاتهم وانتظاراتهم المشروعة، بل اقتصر عمله على التدبير الإداري العادي واستخلاص الضرائب ذات البعد المحلي، وتوقيع التراخيص وصباغة الممرات ليس إلا، ليؤكد بذلك أنه لا يختلف عن صورة سابقيه، بل يمكن تصنيفه الأسوأ من نوعه منذ اعتماد نظام “وحدة المدينة”.

من جهة أخرى، كشف عدد من المستشارين في المجلس نفسه، ضمنهم منتمون إلى مكتب المجلس، عن خروقات سافرة لمقتضيات القوانين المعمول بها في التنظيم الجماعي، نتيجة التسيير العشوائي لشؤون الجماعة الترابية، مبرزين أن المسار التنموي يسير نحو الهاوية إذا لم تتدخل السلطات المحلية والإقليمية من أجل تهدئة الأجواء وإعادة الأمور إلى سياقها الطبيعي وفق ما تقتضيه المرحلة.

“البيجيدي” يدخل على الخط

أمام هذا الوضع المقلق جدا، أكد أحمد برحو، رئيس فريق مستشاري حزب العدالة والتنمية بمجلس طنجة، أن الأزمة التي يعيشها حاليا المجلس الجماعي ناجمة عن تركبة المكتب، التي تتسم بـ “البلقنة” ولا تعبر عن المشهد الحقيقي لحجم القوى السياسبة المتواجدة بالمدينة، وهيمن عليها تحالف هجين وعددي، دون أن تتوفر قواسم حقيقية سياسية وبرنامجية بين مكوناته، بالإضافة إلى ضعف مستوى التجربة لدى أغلب عناصره، وعدم إلمامهم بملفات الجماعة الحارقة وتحدياتها المستمرة.

وقال برحو، في تصريح له، إن “تناقضات مكونات الأغلبية وصراعاتها الشخصية حول ملفات كبرى هيمنت على المشهد وأضعفت من أداء الجماعة وتراجع موقعها الاعتباري والقانوني، إذ لولا تدخل السلطات الولائية، التي دعمت الجماعة، سواء باقتراح برامج أو شراكات أو تدخلات في مجالات معينة، لكان الوضع أكثر تعقيدا”.

أما على مستوى الحصيلة وضعف الأداء، يقول برحو، “يكفي الوقوف على ميزانية 2022 للتأكد من سوء التقديرات التي تم اعتمادها في العديد من الفصول، التي لم تكن واﻗﻌﻴﺔ وﺻﺎدﻗﺔ وﻧﺰﻳﻬﺔ، ما أدى إلى عدم اﻟﺘﻜﺎﻓﺆ اﻟﻔﻌﻠﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮارد واﻟﻨﻔﻘﺎت. كما أن جل الخدمات الأساسية التي تقدمها شركات التدبير المفوض كالنظافة والنقل وأمانديس وغيرها… تراجعت بشكل مثير لقصور المجلس وعدم قدرته على التحكم في المرافق المفوضة.

“البام” يشيد بالتجربة

نفى حزب الأصالة والمعاصرة وجود انقسام أو انشقاق داخل التحالف الذي يجمعه بأحزاب التجمع الوطني للأحرار والاستقلال وحزب الاتحاد الدستوري داخل مجلس جماعة طنجة، وأكد أن كل ما يثار في المقاهي السياسية وعبر المواقع الالكترونية المحلية “معلومات مغلوطة”.

وذكر سعيد أهروش، رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس طنجة، نيابة عن عمدة المدينة، الذي تهرب من الإجابة، (ذكر) أن حالة الانقسام المزعومة بين فرقاء التحالف السياسي المسير، لا يعدو كونه مجرد مزايدات سياسوية وإشاعات مغرضة لا أساس لها من الصحة، مشيدا بأجواء الانسجام والتوافق الكبيرين بين مكونات التحالف السياسي داخل المجلس الجماعي، الذي يعمل جاهدا لخدمة قضايا المدينة وتطلعاتها التنموية.

وبخصوص الرسالة التي أعلن فيها حلفاءهم عن سحب الثقة من عمدة المدينة، أكد أهروش، وهو رئيس مقاطعة السواني، أن هذه الرسالة ليست لها صبغة رسمية، لأنها تحمل توقيعات أسماء بعينها ولا تعبر عن موقف الأحزاب التي ينتمون إليها، مبرزا أن المجلس الإقليمي لحزب “البام” راسل هذه الأحزاب لتوضيح موقفها من ذلك، وسوف يتخذ المجلس المتعين بخصوص هذه القضية عند توصله بالرد.

شهادات

محمد العمراني بوخبزة ـ أستاذ جامعي ومدير مركز الدراسات والأبحاث في الحكامة المحلية

إن تجربة المجلس الحالي لم تكن مشجعة ولا تواكب بأي شكل من الأشكال انتظارات سكان المدينة وطموحاتهم، رغم أنه يتوفر على أغلبية مريحة وجاء في فترة تتميز بأوراش كبرى يمكن أن يستفيد منها ويبصم على حضور إيجابي لدى الرأي العام، إلا أنه مع الأسف، يعاني من مشاكل داخلية بالجملة بسبب انعدام التواصل بين مكونات الأغلبية، وكذا غياب رؤية موحدة في طبيعة وكيفية التسيير، بالإضافة إلى الصراعات الدائمة المتعلق بتفويض الاختصاصات، وذلك راجع بالأساس إلى طبيعة تركيبة المجلس المفروضة من التحالف الوطني للأحزاب الثلاث المشكلة للحكومة.

كما أن الصراعات المحتدمة بين ممثلي الأحزاب الثلاث المكونة للتحالف، خصوصا بين المسؤولين الجهويين لحزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال، التي وصلت في كثير من الأحيان إلى اتهامات بغياب الثقة فيما بينهم، تسببت في الكثير من المشاكل داخل المجلس، لا سيما أن هناك عينة من المستشارين لديها خبرة وتراكم طويل في السياسة، في حين فئة أخرى تواجدها جاء بمحض الصدفة، وهو ما يؤدي للأسف إلى هدر الزمن السياسي ويفوت على المدينة فرصة التنمية والازدهار. 

خالد الرابطي كاتب وفاعل في مجال الإعلام

إن المتتبع للشأن المحلي بمدينة طنجة، يجد صعوبة بالغة في فهم واقع الحال بالنسبة لمؤسسة تسهر على تدبير شأن قطب اقتصادي يعول عليه في جر قاطرة التنمية بالجهة، لدرجة صار معها تحقيق النصاب لكل دورة من دورات المجلس إنجازا يحتفى به، في ظل الصراعات والاختلافات التي تعيش على وقعها أغلبية التنظيمات السياسية بالمدينة.

ففي الوقت الذي يطمح فيه سكان عاصمة البوغاز إلى مجلس يسعى لتكريس مكانتها وتقوية جاذبيتها كوجهة سياحية وطنية ودولية، تظل طنجة تحت رحمة تحالفات هنا وتكتلات هناك، وخططا تحبك في مقاهي المدينة تارة وتارة على متن إحدى عبارات مضيق البوغاز، ليظل دور الجماعة الحضرية محصورا في مراقبة التدبير المفوض وتسليم رخص البناء والتجزئات وتسوية وضعية المباني المخالفة ومناقشة دعم الجمعيات ومحاربة الكلاب الضالة… في حين يحلم المواطن بجماعة تسعى إلى النهوض بالمدينة في مختلف المجالات، وتحسين ظروف عيش الساكنة، لاسيما الأحياء ناقصة التجهيز، وكذا تقوية البنيات التحتية الأساسية والنهوض بالشأن الرياضي والثقافي وحماية المجال البيئي… وهي أمور مؤجلة إلى حين تتغير عقلية المستشار الجماعي ويعي أن مسؤوليته أكبر من الصفة التي يحملها، ومن لوحة سيارته المخزنية.

عبد الله الزايدي، حقوقي، عضو المجلس الوطني لفيدرالية اليسار الديموقراطي

لقد اتضح طيلة هذه الفترة، قصور المجلس الجماعي لطنجة في عدة مجالات تهم الحياة العامة، من أهمها عدم قدرته على التحكم في المرافق المفوضة، بما فيها من قطاعات الماء والكهرباء والتطهير والنظافة والنقل الحضري واستغلال جنبات الطرق واللوحات الإشهارية، التي تعاني من اختلالات في التدبير والمراقبة، وهو ما خول للمفوض لهم فرصا للتحايل على القانون وممارسة ساديتهم في ابتزاز المواطنين وسحق قدراتهم الشرائية، في غياب مقابل حقيقي على مستوى الخدمات المقدمة.

كما أنه بات واضحا أن هذه القطاعات تشتغل بشكل مستقل عن سلطة المجلس الجماعي، نظرا لعدم قيام لجن التتبع بدورها في تفعيل الاتفاقيات وإلزام الأطراف المتعاقدة باحترام دفتر التحملات ومكونات الاتفاقيات المرتبطة بالصفقات ومشاريع الاستثمار، بالإضافة إلى التفاوت الموجود بين المتعاقدين على مستوى الكفاءة القانونية، ما أدى إلى عدم القدرة على تطبيق المقتضيات الخاصة بفرض الجزاءات والعقوبات على الشركات المتهاونة، رغم تدني مستوى خدماتها وعدم احترامها لبنود الاتفاقيات الموقعة.

المختار الرمشي (الصباح)

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*