لم تكن “السونطروا” دراجة نارية عادية، بل كانت جزءاً من تاريخ المغاربة، فعلى هذا الامتداد الرقيق الذي يفصل بين الطبقتين المتوسطة والكادحة، كانت هذه الدراجة تذرع الطريق في يُسر لسنين طويلة، ورائحة دخانها التي تُصافح المُخيلة، تُداعب أحلام جيلٍ كامل من أبنائها البررة الذين امتطوها في زمن مضى، حيثُ كانت من المقتنيات الثمينة التي تمنحُ الفرد رفعة بين الناس، والنساء منهنّ على الخصوص.
تاريخ برتقالي
في فرنسا اختفت “السونطروا” بعدما صنعت تاريخاً زمن السبعينيات والثمانينيات، حيثُ لم يُر الهيبيون من ذوي الشعور الطويلة دون هذه الدراجة التي تحمّلت فوضاهم، وسكتت عن نزواتهم وجنونهم، غير أنها في المغرب استمرّت لعقود أخرى، ولم ينل منها في النهاية سوى غنج دراجات “السكوتر” اللواتي رأين النور في المغرب سنوات التسعينيات، حيثُ أسال دلال هاته الزائرات الممشوقات لُعاب المغاربة، الذين سارعوا إلى اقتنائها غير مترفّقين بجيوبهم، أما “السونطروا” بلونها البرتقالي الذي لوّحته الشمس، فآنست مكاناً للراحة في ظل التاريخ، حيثُ فقدت اهتمام معشوقيها حين شاخ منها العظم، واعوجّت منها الأسلاك، واستحال عبَق دخانها الزكي الذي يُحاكي نكهة السجائر الأمريكية، إلى رائحة بطعم الجثث المحروقة.
قصة نهاية
بسوق الدراجات النارية بمدينة الرباط، لا تُشاهد “السونطروا” إلا لماماً، قد تتراءى لك أحياناً في رُكن ما، وهي تنفض عن نفسها غبار النسيان، حيث أن الباحثين عنها وسط السوق، والذين هاموا بجمالها ونثروا الأموال تحت أقدامها زمن الثمانينيات، لم يعودوا يأتون إلا لماماً بحثاً عن غوانٍ صينيات لا يتطلّب وصالهنّ أكثر من 8 آلاف درهم، حتّى إن شاهدوها على حين غرّة أشاحوا بوجوههم التّعبة، وحثّوا الخطى بعيداً عنها، خشية أن يُصيبهم منها ما أصابهم في شبابهم من حمأة الحب، يوم كانت عروساً ترفلُ في أثواب الصحة وسط شوارع المغرب لترحل بقلوب الشباب إلى أبعد من الشمس، حيث لا دراجات “سكوتر” كانت قد ظهرت إلى الوجود، ولا هذه الصينيات الكالحات الوجوه اللواتي لا يكُفن عن الحركة في خُيلاءٍ مزيّف. يقول محمد النكير، 63 عاماً، وهو بطل مغربي سابق في ألعاب القوى:” هنا بسوق الرباط للدراجات النارية لازال البعض يبحثون عن السونطروا بجميع أنواعها، فهذه هي فوكس التي يُشبه مصباحها الأمامي وجه ثعلب، تلك نينجا المُلتزمة، إذ غالباً ما تُطلى باللون الأسود، لها عجلاتٌ بلا أسلاك، بل قُضبان زُخرفية من الألمنيوم، وهناك نسخة الـ XP لسنة 1987، ثم Sport لسنة 1988، أما تلك التي تتوسطنّ فهي Ramsey، آخر ما نسخ الأتراك عن السونطروا قبل أن يتوقف إنتاجها بشكل نهائي”.
بدأ إنتاج “بوجو 103” أو “السونطروا” سنة 1971 بفرنسا، وكانت موجهة بالأساس للكهول من سكان الأرياف التي لا تتوفر على طرق مُعبّدة، ولثمنها البسيط نسبياً، باتت مطلباً لمغاربة المهجر، والذين لن يتوانوا بعدئذ عن إدخال أعداد كبيرة منها إلى البلاد. يقول الحبشي، وهو ميكانيكي بسوق الدراجات بالرباط:” لم تصل دراجة نارية في تاريخ المغرب قط إلى ما وصلت إله السونطروا من مجد، فمع نهاية الثمانينيات كانت قد أضحت دراجة الشعب بلا منازع”، قبل أن يعود ليستطرد:” هذه الدراجة حرّكت اقتصاد المغرب لسنوات، كانت مُتاحة لجميع أطياف المجتمع، يتنقل بها العمال إلى شركاتهم، تُوزع بها طرود البريد وكذا البضائع، بل حتى أن اللصوص قد استعملوها في عمليات السرقة في يوم مضى، حين كانوا يوصلون مُحركها بآلة صغيرة تُسمى الكيت، لتسير بسرعة تتجاوز 140 كيلومتراً في الساعة !”