لا زالت الجرائم والقضايا التي يتورط فيها أبناء مسؤولين وبعض الشخصيات بطنجة تعتبر من الطابوهات والمواضيع التي يحذر الحديث عنها والتطرق لتفاصيلها، رغم أنها تصنع، بين الفينة والأخرى، الحدث وتثير ردود فعل مستنكرة، لاسيما عند استخدام الآباء لسلطة المال والنفوذ للتستر على أفعال أبنائهم المذنبين وإفلاتهم من المتابعة والعقاب.
فضائح أبناء وبنات ذوي القوة والجاه كثيرة ومثيرة بعاصمة الشمال، خاصة المتعلقة بأبناء أشخاص انتقلوا بين ليلة وضحاها من الحضيض إلى صنف الأثرياء النافذين، واستطاعوا نسج علاقات قوية داخل أجهزة الدولة مكنتهم من التستر على جرائم خطيرة وحوادث سير مميتة تورط فيها أبناءهم دون أن تطالهم العقوبات المستحقة.
فالجميع لازال يتذكر فضيحة نجل مسؤول قضائي رفيع بالمدينة، الذي ضبط ضمن عصابة إجرامية متخصصة في اعتراض سبيل رجال الأعمال وشخصيات بالمدينة والسطو على أموالهم وممتلكاتهم باستعمال أسلحة بيضاء، خاصة بعد ظهوره في شريط فيديو التقطته إحدى كاميرات المراقبة وهو يقوم رفقة شخصين آخرين باعتراض سبيل أحد المنعشين العقاريين بالمدينة.
وتعود تفاصيل هذه القضية إلى أواخر سنة 2016، حين تعرض منعش عقاري معروف بالمدينة لعملية اعتداء من قبل ثلاثة شبان ترصدوا له قبل أن يعترضوا سبيله بواسطة دراجة نارية رباعية العجلات، وقاموا بإنزاله من سيارته تحت التهديد بواسطة أسلحة بيضاء من الحجم الكبير وقنينة غاز “كريموجين”، وسلبه مبلغا ماليا قدره 25 مليون سنتيم كان بحوزته.
وفور علمها بالحادث، كثفت المصالح الأمنية حملاتها لتتمكن فرقة البحث العمومي التابعة لولاية أمن طنجة من إيقاف شخصين على مستوى “الحي الجديد”، تبين من خلال البحث معهما أنهما ينتميان للعصابة التي كانت وراء الاعتداء على المنعش العقاري، وأن أحدهما نجل مسؤول قضائي يبلغ من العمر 18 سنة، ليتحرك إثره عدد كبير من المسؤولين من مختلف الرتب والمراكز، الذين ضغطوا على الضحية إلى حين أن قدم تنازله عن القضية.
جريمة أخرى مثيرة تورطت فيها ابنة مستثمر عقاري معروف بالمدينة، قامت بدهس ثلاثة عناصر من جهاز القوات المساعدة بسيارتها الرباعية الدفع، أثناء إشرافهم على عملية تنفيذ قرار إداري، يتعلق بهدم جزء من مركب سياحي مخالف للضوابط العقارية الجاري بها العمل، الذي يملكه والدها بالقرب من مقبرة المجاهدين وسط المدينة.
ولجأت ابنة المستثمر العقاري إلى فعلتها، التي تمت بحضور ممثلي ولاية طنجة والجماعة الحضرية، بعد أن التحقت بالمكان وشرعت في الاحتجاج بعنف على القرار بحجة أن المشروع مرخص، قبل أن تمتطي سيارتها الخاصة وتصدم عناصر من القوات المساعدة، ما أدى إلى إصابتهم بجروح عجلت بنقلهم إلى المستشفى الجهوي محمد الخامس، قبل أن تفر إلى وجهة مجهولة.
وحظيت هذه القضية بتتبع كبير من طرف الرأي العام المحلي، الذي اعتبر أن القبض على المعتدية يشكل تحديا حقيقيا لجهاز الأمن بالمدينة، الذي لم يتحرك للقبض على هذه المرأة الثرية ذات نفوذ، بالرغم من أن النيابة العامة أصدرت مذكرة بحث في حقها، وهو عكس الكثير من الحالات السابقة، التي لا يتأخر الأمن في القبض على مجرمين ومنحرفين من الطبقات الاجتماعية الدنيا.
حالة أخرى لحوادث “أولاد الفشوش”، الذين يولدون وفي أفواههم ملاعق من ذهب وفضة، وتتعلق بحادثة سير مروعة أودت بحياة فتاة وشاب تتراوح أعمراهما بين 20 و24 سنة، وكان بطلها ابن أحد المنعشين العقاريين المعروفين بالمدينة، الذي كان يسوق سيارته الفارهة “مرسديس” بكورنيش “مرقالة” وهو في حالة غير طبيعية.
وبحسب عدد من المواطنين الذين عاينوا الحادث، فإن أسباب هذه الفاجعة تعود إلى تهور السائق الذي كان يسير بسرعة جنونية وصادفه في طريقه شاب كان يهم بعبور ممر للراجلين، ليصدمه بقوة وقام بسحله مسافة تقارب مائتين مترا، قبل يصدم، وهو يحاول الهروب، فتاة أخرى بالقرب من ميناء طنجة المدينة، ليتمكن بعدها المواطنون من إيقافه وتسليمه إلى عناصر الأمن التي قامت بتصفيده ونقله إلى مقر ولاية الأمن بالمدينة، حيث لم يتم لحد الساعة الكشف عن مآل هذا الملف.
ولم تكن هده الحالات هي الوحيدة التي شهدتها عاصمة البوغاز، بل شهدت المدينة حوادث أخرى مثيرة كان أبطالها أبناء أغنياء ومسؤولين كبار يحظون بمعاملة مميزة في الشارع، وينجون من العقاب في حال ارتكابهم للمخالفات، وهو ما يؤدي بجل المواطنين إلى الشعور بـ “حكرة” ووجود فوارق طبقية شاسعة بين الفقراء والأغنياء، الذي يعكسون من خلال تصرفاتهم أنهم بشر من نوع خاص وينتمون إلى مجتمع آخر غير المجتمع المغربي، إلا أنه في بعض الحالات المحسوبة، التي يطبق فيها القانون، يشعر المواطن بأنه يعيش حقا في دولة يتعامل فيها الجميع بالتساوي ودون تميز.
المختار الرمشي (الصباح)