اختتمت يوم أمس الاحد جمعية ريف القرن 21 فعاليات الدورة السابعة للجامعة الصيفية لنيل دبلوم في مسلك “قيم التسامح وتأصيل مبادئ الإختلاف والتعايش” بدار الثقافة بالحسيمة، وذلك بتنسيق مع كل من لمديرية الاقليمية لوزارة الثقافة والاتصال ـــ قطاع الثقافة والكشفية الحسنية المغربية فرع الحسيمة، والتي امتدت لثلاثة أيام متتالية.
وشارك في تنشيط فقرات هذه الدورة عدد من الأساتذة الباحثين والدكاترة المختصين سواء من الريف او من مناطق أخرى من المغرب.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أوضح السيد ياسين الرحموني رئيس جمعية ريف القرن21 أن من بين أهداف الدورة هو فتح صفحات من تاريخ المغرب المتسمة بالتعايش الجماعي والتسامح الديني بين مختلف مكونات الثقافة المغربية، واسترجاعها من أجل التعريف بالأبعاد الهوياتية المتعددة للمغاربة والتركيز على أهمية التفاهم والانفتاح على بعضهم البعض كوسيلة لتشجيعهم على نبذ التطرف ومحاربته ودفعهم للمشاركة الفعالة من أجل إرساء دولة الحق والقانون، والتعريف بالتنوع الثقافي و الاجتماعي و الديني الذي يعرفه المغرب على وجه عام و منطقة الريف على وجه خاص.
الرحموني أكد على ضرورة إبراز قيمة التعايش الذي يعرفه الريف ثقافيا و دينيا و اجتماعيا، إن في الحاضر أو في الماضي؛ والمساهمة في اكتشاف الموروث الثقافي و الديني و التاريخي لمنطقة الريف مع إبراز أهمية الحفاظ عليه لما فيه من مساهمة في صيانة الموروث المادي و اللامادي للمنطقة؛ والمساهمة في خلق تنشئة تدعم قيم التسامح و التعايش و تنبذ خطابات الكراهية و العنصرية و التعصب الديني و معادة الآخر المختلف عن ما نؤمن به أو نعتقده، و ذلك من أجل بناء مجتمع متسامح مع ذاته و مع الآخر؛ وتسليط الضوء بنوع من الدقة على الفروقات القائمة بين الاختلاف والتسامح ، مع الأخذ بعين بالاعتبار أن مبدأ التسامح يساوي بين كل الأديان، ويحترم بقية المذاهب الفكرية والشخصية، وإن كان التسامح لا يعني القبول بكل الآراء بما فيها تلك الداعية للعنصرية والكراهية والعنف، أما الحق في الاختلاف فهو من إنتاجات ظروف وشروط العيش الجديدة في حاضرنا المعاصر، وبالتالي فهو لا يكتسي مفهوما أخلاقيا كالتسامح، وإنما تتحكم في تطبيقاته ضمانات القانون المدني لسير المجتمع وإكراهاته المعيشية.
وفي هذا السياق أوضح السيد محمد لمرابطي استاذ وباحث في التاريخ أنه بخصوص قيمة التسامح بتاريخ المنطقة التي تعتبر أحد الأجزاء الهامة بشمال المغرب وبما أن التسامح قيمة كونية لا يمكن قصرها على مكان معين دون الآخر بل هي سلوك إنساني شامل، مع محاولة سياق نماذج معينة في الموضوع من قبيل الموريسكيين الذين حلوا بالمنطقة بعد طردهم من الأندلس إثر سقوط غرناطة ولجوئهم منذ البداية نحو بادس بالحسيمة والشاون وتطوان وطنجة وسلا والرباط … وسرعة احتضانهم بالمنطقة وروح الإخاء والتعاون والتسامح الذي ربطهم مع الساكنة رغم صعوبة التواصل في البداية على مستوى اللغة وإن كانت تجمعهم وحدة العقيدة وكذلك الدور الذي لعبته الحركة الدينية والعلمية في تيمة ترسيخ التسامح بالمنطقة مستدلا على ذلك بدور الأولياء والصلحاء والرابطات الدينية وزواياها من قبيل المتصوفة الممثلين في كل من أبي يعقوب الباديسي والشيخ التوزاني بكدية أومليل و الحسونيين ولا لا ميمونة وسيدي بوخيار .. فقد لعبت هذه المؤسسات والحركات دورا هاما في نشر قيم التسامح بمفهومه الشعبي والديني البسيط في العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الساكنة كما وقف عند أمثلة من تعامل الزعيم المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي التي طبعها تعامل وتسامح إيجابي مثل حالة التعامل مع الشريف مولاي احمد الريسوني.
أضاف لمرابطي أن النساء من الأسيرات الأسبانيات خلال فترة المقاومة وكيف أنهن فضلن البقاء بالمنطقة بعد انتهاء الحرب وزواج بعضهن بشباب المنطقة كما تزوج بعض الرجال من جنودهم الهاربين من جزيرة النكور المغربية المستعمرة إلى السواحل الريفية بنساء مغربيات من المنطقة وشمل التسامح أيضا حتى الجنود من الرجال الذين وقعوا في الأسر خلال العشرينيات من القرن الماضي… مع ربط هذا التفاعل الإيجابي المتعلق بالتسامح بالثقافة المغربية الأصيلة والتاريخ المغربي الحافل بهذه النماذج مثل الاستقبال الذي خص به اليهود المغاربة الزعيم الوطني علال الفاسي بعد رجوعه من المنفى بالدار البيضاء والذي خاطبهم بإخوتي الإسرائيليين.
وكذلك خطاب العرش في فجر استقلال المغرب الذي خاطب فيه العاهل المغربي السلطان / الملك محمد الخامس رحمه الله للشعب المغربي الذي أكد فيه المساواة بين جميع المغاربة ووضح ذلك بصريح بأن المقصود به فئة اليهود من المواطنين المغاربة واضعا بذلك حدا مع بعض الممارسات العنصرية التي صدرت خلال حكومة فيشي العنصرية بفرنسا.
وناقش الاساتذة الحاضرين في الجامعة أصول بعض المعضلات والتحديات الاجتماعية الكبرى على صعيد الكثير من المناطق التي تحولت إلى بؤر للتوتر على صعيد عدة مناطق في العالم إلى انعدام أسس الثقافة المتسامحة وما يطبعها من الإحساس بالحق في العيش المشترك التي تغذيها في بعض من الأحيان وجود تنامي واستفحال في مظاهر الفوارق الاجتماعية الحادة وما ينجم عنها من البؤس، مما يحتم ضرورة وجود نوع من التوازن المطلوب بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبين أهمية وقيمة تمثل واستيعاب، بل التربية بشكل سليم وناجع على قيم وطنية وكونية تهم كلا من الحق في الاختلاف والتعايش والتسامح والتعدد.
وتطرقوا من خلالها إلى الجهود التي بذلتها وزارة التربية الوطنية المغربية منذ بداية التسعينات والتي مازالت تواصلها من أجل تبني هذه القيم وإدماجها في بنية ومضامين المناهج والبرامج الجديدة والعمل على تنقية البرامج القديمة من كل القيم والمفاهيم التي تتناقض مع مبادئ التربية على المواطنة والسلوك المدني المنصوص عنها في منظومة حقوق الإنسان الكونية وفي فصول الدستور المغربي الجديد لسنة 2011.
وقد تجلى ذلك بالخصوص في البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان الذي تكلفت بتطبيقه وزارة التربية الوطنية بشراكة مع وزارة حقوق الإنسان سابقا والذي عرف تعميما كان له دوره الفعال الذي لا يمكن إنكاره خلال الفترة ألعشرية الممتدة من 1994 إلى 2004 في جميع الأسلاك التعليمية المغربية لكونه ركز على قيم معينة تهم المساواة التضامن الكرامة الحق في البيئة السليمة.
تجدر الإشارة انه مباشرة بعد انتهاء اشغال المحاضرة كان للجمهور موعد زيارة معرض الفنان الفوتوغرافي محمد الحقوني برواق الفنون.