“فندق الشجرة” بطنجة.. سوق لتفريخ المنحرفين

15 أغسطس, 2021

“فندق الشجرة”، سوق تاريخي شهير يقع بقلب طنجة، عالم مثير يخفي بداخله أسرارا غريبة لا يعرفها أغلب المواطنين الذين يرتادونه للتبضع بسلع أغلبها مهربة، إذ لا يمكن أن يصدق أحد أنه يحتضن شققا آيلة للسقوط تأوي عشرات من متسولين وقطاع الطرق ومروجي المخدرات والأقراص المهيجة وغيرها… بالإضافة إلى ممتهنات الدعارة اللواتي جعلن من البناية “بورديلا” لممارسة الدعارة، ما حول السوق والمناطق المجاورة له إلى بؤرة للإدمان ومشتل حقيقي لتفريخ المخالفين والمجرمين…

فندق الشجرة.. عالم غريب

بدخولك إلى سوق “فندق الشجرة” بعاصمة البوغاز، ينتابك شعور غريب وأنت تتجول بين متاجر مملوءة عن آخرها بسلع مهربة من كل الأصناف، لاسيما عند مشاهدتك لعدد من الأطفال والمتشردين وهم يهرولون بسرعة في اتجاه واحد، غير آبهين بما حولهم من سلع متراكمة بكل الجوانب، ما يجعلك تتساءل عن سر تواجد هؤلاء داخل السوق والوجهة التي يقصدونها جميعا.

وإذا كانت لديك الرغبة في اكتشاف سر هؤلاء، ما عليك إلا أن تتبع خطوات أحدهم وتسير بحذر دون أن ترفع عينيك للنظر إليهم تجنبا لأي مكروه، لتكتشف في النهاية أنهم يقصدون جميعا بناية شبه مهجورة تقع عند نهاية ممر ضيق لا يثير انتباه الزبناء.

دخولك لهذه المنطقة المحظورة، التي يطلق عليها اسم “الباطيو”، يعد بمثابة مخاطرة، لأنك ستجد نفسك محاطا بنظرات عدد من مشردين ومنحرفين، الذين حكمت عليهم ظروفهم الاجتماعية العيش وسط هذا الفضاء السكاني الفريد من نوعه، الذي يعرف حركة ذؤوبة طيلة اليوم وعلى مدار الأسبوع، إذ ستضطر لاختيار مفردات مناسبة للتعامل مع هؤلاء إن أردت الخروج بسلام ودون خسائر.

مدرسة لتخريج المنحرفين

يعتبر عدد من المهتمين بعالم الجريمة بالمدينة، أن “فندق الشجرة” هو مدرسة لتخريج المنحرفين والمتشردين والمتسولين على حد سواء، وأكدوا أن القاصرين الذين يتعاطون للقرقوبي ويشتمون “السيليسيون” بشوارع المدينة، جلهم عاشوا وترعرعوا داخل هذه البناية، وتعلموا فنون السرقة والإدمان على المخدرات، قبل أن يتحولوا إلى مجرمين محترفين يعرضون حياة المواطنين للخطر.

وذكر أحد التجار، أن نسبة مهمة من القاصرين الخارجين عن القانون بالمدينة، ولدوا هنا وعاشوا لسنوات عديدة تحت سقف واحد، مثلما هو الحال بالنسبة للملقب بـ “جانكو” و”كوكوعو” وغيرهم… الذين عاشوا حياة البؤس والحرمان، وعندما بلغوا أشدهم تحولوا إلى لصوص متخصصين في السرقة والنشل…

سوق للمخدرات والقرقوبي

يتخذ عدد من مروجي الهروين والكوكايين وحبوب الهلوسة ومادة “السلسيون”، من هذا السوق مقرا لترويج بضاعتهم المحظورة، حيث يقومون بإخفائها داخل محلات تجارية مهجورة في انتظار قدوم الباحثين عن النشوة الزائفة، من بينهم فتيات قاصرات يأتين من مناطق مختلفة بالمدينة، حيث يتم تسليمهم البضاعة أمام الملأ دون أي حسيب أو رقيب.

ولم تقتصر هذه البناية، التي أصبحت تعرف لدى المدمنين بـ “كلومبيا”، على ترويج المخدرات الصلبة بشتى أصنافها، بل هناك متخصصين في عمليات الوخز بإبر لحقن المخدرات، الذين يقدمون هذه الخدمة لزبنائهم طيلة اليوم وإلى ساعات متأخرة من الليل، في ظل فراغ أمني كبير لعناصر الدائرة الأمنية المختصة، التي يقول عنها تجار السوق بأنها لا تقوم بما يلزم من أجل وضع حد لهذه المظاهر الإجرامية.

الدعارة في واضحة النهار

داخل هذه المعلمة التاريخية، لم يعد الأمر يقتصر فقط على تعاطي الحشيش والمخدرات الصلبة، بل إن المكان تحول إلى “بورديل” تمارس فيه الدعارة السريعة، وكذا جميع أنواع الاستغلال الجنسي على قاصرين وقاصرات، الذين لا مأوى ولا شغل لهم سوى اللجوء إلى الدعارة من أجل كسب قوتهم اليومي، وضمان مكان للمبيت بإحدى الغرف الضيقة داخل السوق.

وأكد أحد قدماء التجار بالسوق ذاته، أن جل الفتيات اللائي يعشن بهذا الفضاء منذ سنوات، مدمنات على المخدرات الصلبة، ما يدفعهن لامتهان الدعارة من أجل توفير الأكل وثمن حقنة أو جرعة من مخدرات، مبرزا أنهن يتشاركن في كراء غرفة مقابل أجر يتراوح بين 5 و10 دراهم لليوم الواحد، حيث أصبح الأمر بالنسبة لهم عاديا ما دام هو المصدر الوحيد لكسب لقمة العيش والبقاء.

جرائم “فندق الشجرة”

كل الجرائم التي تحدث بالسوق ومحيطه، بما فيها جرائم القتل، تبقى كلها عادية إذا علمنا أنه يأوي عشرات المتشردين والمنحرفين، وتمارس فيه الدعارة وتباع داخله كل أنواع المخدرات، حيث تبقى كل الأفعال الإجرامية المرتكبة مجرد تحصيل حاصل.

وشهد السوق، طيلة السنوات الماضية، جرائم مختلفة وسرقات مثيرة، لعل أبشعها تلك التي نفذها قاصر لا يتعدى عمره 16 سنة، حين أقدم على قتل شخص داخل محل لبيع المتلاشيات، قبل أن يقوم بفصل رأسه عن جسده بواسطة منشار كهربائي، بعدما ضاق درعا من تصرفات الهالك، الذي كان يستغله في إشباع شذوذه الجنسي مقابل منحه فرصة المبيت معه في أحد  البيوت داخل السوق.

تجار متدمرون

تجار السوق تقدموا بشكايات متعددة للمسؤولين، وطالبوا باسم جمعيتهم التي أسسوها في سنة 2001، بإخلاء هذه البناية من الغرباء ومجهولي الهوية، واعتقال المجرمين الذين يختفون داخلها ليلا بعد إغلاق المحلات التجارية، إلا أن مطالبهم تبقى في حدود تنظيم حملات أمنية متفرقة يتم خلالها اعتقال العناصر المتلبسة، لكن أغلب المحاضر المنجزة تكون شبه فارغة من أي اتهام، لتصدر المحكمة عقوبات لا تعادل حجم الجرائم المرتكبة، رغم أن الأمر يتعلق بذوي السوابق العدلية.

المختار الرمشي (الصباح)

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*