مع بداية العد التنازلي لموعد عيد الأضحى المبارك، بدأت حركة أسواق طنجة والمناطق المجاور تشهد انتعاشة تدريجية، وبدأت أفواج الشاحنات والسيارات النفعية والمركبات تحل بها محملة بقطيع الأغنام والخرفان، فيما بدأت العديد من المحلات والمستودعات الخاصة تستعد لفتح أبوابها لإيواء القطيع وعرضها أمام المواطنين، الذين لازال أغلبهم في المدن الشمالية متشبثون بإحياء هذه الشعيرة الدينية والثقافية الكبرى.
وبالرغم من هذه الحركة الذؤوبة، لازالت الأنشطة التجارية بالأسواق عادية ومحدودة للغاية، إذ لم تظهر لحد الساعة آثر العيد سواء على مستوى حركة اقتناء الخرفان أو ما يرافقها من أنشطة موازية كبيع الفحم وغيره… وهو عكس السنوات الماضية، التي تكون نسبة كبيرة من السكان قد بادرت في هذا التوقيت إلى شراء الأضحية، تجنبا لارتفاع الأسعار خلال الأيام الأخيرة التي تسبق العيد، وخوفا من الدور السلبي الذي يلعبه السماسرة وكل أنواع الوسطاء، الذين يتحكمون في الأسواق ويساهمون في ارتفاع الأسعار إلى مستويات خيالية قد تحرمهم من حقهم في كبش العيد.
ولا زالت حركة اقتناء الأضحية محدودة وتعرف إقبالا ضعيفا بجل أسواق المدينة، بما فيها سوق “الحراريين”، إذ يرجح المهتمون بالشأن المحلي أن يكون هذا العزوف راجع لارتفاع الأثمنة إلى مستويات لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين، وتتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف درهم في المتوسط، بينما يصل ثمن بعض أنواع المواشي إلى قرابة 8 آلاف درهم، وهو ما دفع بعدد من المواطنين إلى العدول عن اقتناء أضحيتهم وانتظار تقلبات السوق خلال الأيام المقبلة.
أثمنة مرتفعة وآراء متضاربة
من المرتقب أن تنعكس الأزمة الحالية وارتداداتها الناتجة عن ارتفاع أسعار المحروقات وأغلب المواد الأساسية على أثمنة الأضاحي بأسواق المدينة، لا سيما أن نسبة كبيرة من الأكباش يتم استيرادها من المناطق الداخلي والشرقية، إذ يخشى المتتبعون للشأن المحلي أن لا تدخل رؤوس الماشية بالقدر الكافي إلى المنطقة الشمالية، بالإضافة إلى تدخل “الشناقة” الذين يلهبون السوق، ما سيؤدي إلى انعدام الجودة وارتفاع الأسعار إلى مستويات خيالية، قد تحرم العديد من الأسر من حقها في كبش الأضحية
وذكر عدد من المواطنين من أصحاب الدخل المحدود، أنهم اكتشفوا عند زيارتهم لأسواق المدينة، أن ثمن أضحية العيد قفز إلى الضعف مقارنة بالسنوات الماضية، مؤكدين عدم قدرتهم على شراء الأضاحي لأن ثمنها يتجاوز قدرتهم، مطالبين الجهات المعنية بالتدخل ومساعدة ذوي الدخل المحدود.
وعبر أحدهم عن أسفه واستيائه من جراء هذا الارتفاع الصاروخي في أثمنة الأضحية، مفندا جميع المبررات التي تقول أن الارتفاع بسبب تكلفة العلف والنقل، لأنها مبررات غير معقولة، طالما أن الدولة دعمت قطاع مهني نقل البضائع، مشيرا إلى أن “الكسابة” و”الشناقة” يستغلون هذه المناسبة السنوية لجني الأرباح دون الأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية الضعيفة للمغاربة.
من جهة أخرى، أكد العشرات من الفلاحين ومربي الماشية، أن الغلاء ناتج عن الزيادة الفاحشة في أسعار الأعلاف ونفقات تغذية الأغنام والأبقار والدواجن باتت باهظة جدا في الوقت الراهن، وأصبحت تهدد نشاطهم في تربية الأغنام وقطعان الماشية، خاصة أن هذه السنة تميزت بالجفاف الذي ضرب أغلب المناطق المغربية.
وأضحت نفس المصادر، أن ندرة التساقطات، وتراجع حقينة السدود، جعلت مربي المواشي يضطرون إلى شراء العلف من أجل إطعام ماشيتهم، ما نتج عنه مضاربة في سوق الأعلاف، التي أصبح يتحكم فيها دخلاء ليست لديهم أي علاقة بتربية الحيوانات، وتسبب في الارتفاع الكبير الذي شهدته الأسعار بصفة عامة.
إكراهات وصعوبة اقتناء الأضحية
عبر عدد من المواطنين عن استيائهم لقرار مجلس الجماعة بخصوص اختيار منطقة “الحراريين” لتكون سوقا للأضاحي، لبعده عن جل أحياء المدينة بأزيد من 10 كيلومترات، مبرزين أن ذلك يؤدي إلى قلة العرض والطلب، ويكلف المتسوق مبالغ إضافية للتنقل وحمل الأكباش قد تصل إلى 300 درهم، وهو ما يدفع الجميع إلى اللجوء إلى المحلات التجارية والمستودعات الخاصة، التي تعتمد أغلبها على القطيع المرتفع الثمن، وتتميز بتضارب واضح في الأسعار، مبرزين أن المجلس يكون بقراره هذا لا يخدم مصلحة المستهلكين ولا يفكر في معاناتهم اليومية خلال هذه المناسبة الدينية.
كما اعتبر تجار الماشية، أن اختيار قطعة فلاحية غير مجهزة ولا تتوفر على التجهيزات والبنيات الضرورية للاستقبال، يساهم بطريقة مباشرة في عدول الكثير من التجار عن النزوح إلى طنجة، فيكون العرض أقل من الطلب، وبالتالي ترتفع قيمة الأضاحي بشكل ملحوظ ومبرر، موضحا أن عددا من التجار يتخوفون من سرقة أغنامهم ومواشيهم التي تقضي الليل في أماكن مكشوفة داخل خيام نصبت وسط العراء، حيث لا يتوفر السوق على سياج خارجي محكم لمراقبة حركة الدخول والخروج، ناهيك عن ضعف التغطية الأمنية، وهو ما يجعل التجار يلجؤون إلى كراء المحلات التجارية خارج السوق وبالأحياء الآهلة بالسكان، حتى يضمنوا صيانة قطيعهم ومزاولة البيع في ظروف آمنة.
المختار الرمشي (الصباح)