في سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى القارة الإفريقية، أطلق المغرب مشروعا تجريبيا ضخما يتمثل في تركيب آلاف الألواح الشمسية العائمة فوق سطح خزان مائي استراتيجي بمنطقة سيدي اليماني قرب ميناء طنجة المتوسط، في خطوة تعكس رؤية مبتكرة لمواجهة التحديات المناخية والمائية التي تعصف بالبلاد.
هذا المشروع الرائد، الذي يحول سطح المياه إلى ما يشبه “بحرا من المرايا الزرقاء”، يجمع بين هدفين حيويين: إنتاج الطاقة النظيفة وتقليص معدلات تبخر المياه، في وقت يعيش فيه المغرب واحدة من أشد الأزمات المائية في تاريخه الحديث، بعدما تراجعت الاحتياطيات السطحية بنسبة 75% خلال أربعة عقود، وانخفضت من 18 مليار متر مكعب في الثمانينيات إلى نحو 5 مليارات متر مكعب فقط حاليا.
ووفق وزارة التجهيز والماء، سيساهم وجود الألواح كغطاء عازل في تقليص التبخر بما يصل إلى 30%، وهو ما يعادل ملايين الأمتار المكعبة من المياه سنويا، وحده خزان طنجة يخسر يوميا نحو 3000 متر مكعب من المياه، رقم يتضاعف في الصيف، لتأتي هذه التقنية كحل مباشر للحد من النزيف المائي.
ويتضمن المشروع تركيب 22 ألف لوح شمسي تغطي مساحة 10 هكتارات من إجمالي مساحة الخزان البالغة 123 هكتارا، بقدرة إنتاجية تصل إلى 13 ميغاواط، ما يكفي لتغطية كامل احتياجات ميناء طنجة المتوسط من الكهرباء النظيفة، وتقليص بصمته الكربونية، وتعزيز استقلاليته الطاقية. كما يمنح موقع الألواح فوق الماء ميزة إضافية، إذ تبقى مبردة بشكل طبيعي مما يزيد من كفاءتها مقارنة بالنظم التقليدية المثبتة على اليابسة.
ولمزيد من النجاعة، تخطط السلطات لإقامة حزام أخضر من الأشجار حول الخزان للحد من تأثير الرياح التي تسرع التبخر، في مقاربة تدمج الحلول التقنية مع الحلول البيئية.
ورغم أن تغطية السدود الكبرى في المغرب بألواح شمسية عائمة لا تخلو من صعوبات تقنية وكلفة مرتفعة، فإن الخبراء يرون في مشروع طنجة “مختبرا حيا” لاختبار أفضل المواد وأنظمة التثبيت، تمهيدا لاعتمادها على نطاق أوسع مستقبلا.
ويمثل هذا المشروع حلقة ضمن الاستراتيجية الوطنية للماء، التي تراهن أيضا على توسيع محطات تحلية مياه البحر لتصل طاقتها إلى 1.7 مليار متر مكعب سنويا في أفق 2030، إضافة إلى مشروع “الطريق السيار المائي” لنقل المياه من الأحواض الشمالية نحو المناطق الوسطى والجنوبية الأكثر تضررا من الجفاف.
وباعتماده على هذه التجربة، ينضم المغرب إلى مجموعة محدودة من الدول الرائدة في مجال الطاقة الشمسية العائمة مثل فرنسا وإندونيسيا وتايلاند، فيما تقود الصين هذا القطاع على المستوى العالمي، لكن الأهمية هنا تكمن في أن المغرب هو أول بلد إفريقي يقدم على تنفيذ مشروع بهذا الحجم والجرأة، مما يجعله نموذجا قاريا في التفكير المبتكر لمواجهة التغيرات المناخية.