أنظمة توثيق التصرفات العقارية في مدونة الحقوق العينية

أنظمة توثيق التصرفات العقارية في مدونة الحقوق العينية

4 سبتمبر, 2018

إن الحراك والتطور التشريعي الذي عرفته بلادنا في الآونة الأخيرة حراكا مهما، بدأ من الدستور الجديد الصادر في فاتح يوليوز 2011، والذي تلته مجموعة من التعديلات والتغييرات بعضها اقتضاها تنزيل الدستور المذكور، وبعضها فرضته الضرورة الاجتماعية والاقتصادية، ومواكبة كل التغيرات المرتبطة بالمجال التشريعي، ومن أهمها القانون 08-31 القاضي بتحديد التدابير لحماية المستهلك64، والقانون رقم 09-32 المنظم لمهنة التوثيق ،بعد أن كان الموثق يشتغل في إطار غير واضح المعالم والضوابط، ثم القانون 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.وتدخل هذه المدونة في إطار تحقيق هدف تدوين أحكام الفقه الإسلامي في جميع المجالات، وقد استطاع المشرع من خلالها الحسم في بعض القواعد الفقهية المعمول بها في الفقه المالكي والتي قننها، وأصبحت بذلك ملزمة للجميع، كما قام بدمج مقتضيات ظهير 2 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة ضمن المدونة ما دامت أغلب فصوله تنسجم مع القواعد المقررة فقها في هذا المجال مع إدخال بعض التعديلات عليه. وإن كانت القاعدة الفقهية مصدرا للتشريع، فإن المدونة تؤكد على أنه لا اجتهاد مع وجود النص، وأنه يجب احترام التراتبية التي تقضي بتقديم النص التشريعي الخاص، على النص التشريعي العام، وهما معا على القاعدة الفقهية طبقا لما جاء في المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية، فالغاية من المدونة المذكورة هو تحقيق قانون موحد متكامل يطبق على العقارات المحفظة وغير المحفظة، وينظم الحقوق العينية المرتبطة بها، لوضع حد لازدواجية القواعد والنصوص المطبقة التي خلفت صعوبات متعددة، والتي تعرقل عمل القضاء، وتعصف بمجهودات توحيده، خاصة على مستوى محكمة النقض، وهو ما من شأنه أن يجعل من مدونة الحقوق العينية عاملا لإدماج العقارات غير المحفظة في مسلسل التنمية، وتنشيط الاستثمار في الأراضي الفلاحية وفي التنمية القروية. ومن أهم مستجدات التي جاءت بها مدونة الحقوق العينية:

-إنهاء تملك أراضي الموات، إذ أصبحت ملك لدولة، ولا يمكن تملكها إلا بإذن السلطة الخاصة طبقا لما جاء في المادة 222 من م ح ع65.

-التقييد بالسجلات العقارية يغني عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب، وإذا كان العقار غير محفظ فإن تقديم مطلب لتحفيظه يغني عن حيازته الفعلية وعن إخلائه طبقا للمادة 274 من م ح ع66.ولا شفعة في الحصة الشائعة التي تقدم في صداق أو الخلع طبقا لما جاءت به المادة 303 من م ح ع67.

-ثم ضبط آجال جديدة لسقوط الحق في الشفعة.

فقد تضمنت المدونة مسألة تحرير العقود المتعلقة بالملكية في مادتها الرابعة وفي بعض المواد التي تليها، والغاية من صياغة المادة الرابعة من م. ح. ع هو:

-الحفاظ على استقرار المعاملات، فقد راهن المغرب منذ سنوات على القطاع العقاري بجعله على رأس قطار التنمية.

-جباية حقوق الخزينة، فإذا كان القطاع العقاري يساهم في خلق ثروة مهمة، فإن الدولة كانت حريصة على استخلاص وجباية حقوقها.

-مسؤولية محرر الوثيقة، فإذا كان محررو العقود العرفية لا يتحملون تبعات أخطائهم المهنية، فإن المشرع حدد الفئات التي لها الحق في توثيق المعاملات العقارية، وهو ما يجعلهم بعد وضع توقيعاتهم يتحملون المسؤولية عن أخطائهم.

كلها مستجدات تهدف إلى حماية العقار، وجعله ثروة تحركها النصوص القانونية بحذر حتى يحقق الأهداف المنشودة، وحتى يحافظ على مكانته كرقم صعب في المعادلة الاقتصادية دون إغفال المعادلة الاجتماعية، فإذا كان العقار يرتبط به حقان متعارضان متقاطعان، حق الأفراد في إشباع ذواتهم بالتملك ومطلق التصرف، وحق الجماعة الاقتصادي والاجتماعي الذي لا ينبغي أن يكون فيه العقار حائلا دون التقدم أو

عائقا دون تكثيف الإنتاج وتوافر الاستثمار الخاص والعام، فإن من اللازم أن يكون التوثيق الوسيلة الأساسية التي تحفظ الحقوق المتعارضة، وتحد من التعسف في استعمالها

مريم الطاشي ـ دكتوراه في القانون الخاص

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*