استئنافية طنجة.. إكتضاض وجلسات ماراثونية (روبوتاج)

استئنافية طنجة.. إكتضاض وجلسات ماراثونية (روبوتاج)

7 أبريل, 2019

تعتبر محكمة الاستئناف بطنجة، من بين محاكم المملكة التي ارتفعت فيها، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، عدد الجلسات القضائية إلى مستويات قياسية، حيث وصل متوسط القضايا الجنائية إلى أزيد من 300 قضية في الأسبوع، موزعة بين الغرفتين الأولى والثانية، منها 30% تتعلق بالهجرة السرية، والباقي يتوزع بين جرائم القتل وتكوين عصابات إجرامية والاتجار الدولي في المخدرات والاغتصاب والسرقة الموصوفة والنصب والاحتيال وغيرها… فيما يفوق عدد الملفات الجنحية 700 قضية في الأسبوع، بما فيها حوادث السير.

وبحسب الحصيلة المقدمة خلال الافتتاح الرسمي للسنة القضائية الجديدة (2019)، فإن استئنافية طنجة عرفت في السنة الماضية (2018) ارتفاعا في نسبة الأحكام التي وصلت إلى 84% من القضايا الرائجة، منها 10 آلاف و244 قضية زجرية بنسبة 104%، و5 آلاف و159 حكما مدنيا بنسبة 106%، وهي أرقام تعكس مدى اتساع هذه الدائرة الاستئنافية، المشكلة من ابتدائية ذات المدينة ومحاكم العرائش والقصر الكبير وأصيلة.

إجراءات وقواعد صارمة

عادة ما تكون الساعة التاسعة صباحا موعدا لاستقبال المتقاضين وعائلات المعتقلين بالاستئنافية عاصمة البوغاز، إذ بمجرد فتح الباب الرئيسي للمحكمة ترى مئات من المواطنين والمواطنات يتسابقون لحجز مقاعد بداخل إحدى القاعات الخمس، لاسيما القاعة 2 والقاعة 3، اللتان تحضنان جلسات القضايا الجنائية.

فجميع الزوار الراغبين في ولوج حرم المحكمة يخضعون لإجراءات أمنية تشمل المرور عبر جهاز الكشف عن المعادن ووضع كل الأغراض الشخصية في آلة المسح بالأشعة السينية، وفي بعض الأحيان يشمل التدقيق الأمني تفتيشا جسديا يجريه أحد موظفي الأمن العمومي، المخول لهم القيام بذلك ويحق لهم منع دخول الأشخاص الحاملين لأمتعة غير اعتيادية أو مشبوه فيها، وكذا آلات التصوير وأجهزة التسجيل الصوتية أو البصرية، بما فيهم الصحافيون والإعلاميون، المطالبين بترخيص خاص من الرئاسة.

ومن العادات الصباحية للرئيس الأول للمحكمة، بوشعيب محب، القيام بجولات استطلاعية لفضاءات قصر العدالة وقاعاته، من أجل تتبع السير العادي للمحكمة وملاحقة المتطفلين والسماسرة الذين تجدهم يتربصون بالمتقاضين للاحتيال عليهم عبر ادعائهم القدرة على التدخل في بعض الملفات المعروضة على القضاء، لاسيما أن هذه الظاهرة تفاقمت في السنوات الأخيرة وأصبحت الوجه البارز والسمة الطاغية بكل المرافق القضائية بالمملكة بدون استثناء.

قاعة الجلسات كاملة العدد

إنه بالرغم من الإجراءات التي تتخذ لتخفيف الضغط وتحقيق الهدوء بهو المحكمة وداخل قاعاتها، تبقى ظاهرة الاكتظاظ من الأسباب التي تؤثر بشكل واضح على السير الحسن للجلسات، لاسيما بالقاعتين 2 و3 المخصصتين للجنايات، اللتان تمتلئان غالبا عن آخرهما، وتعم بداخلهما جملة من السلوكات التي تخل بالنظام العام للجلسات، رغم مطرقة القضاة وتنبيهاتهم المتكررة لردع بعض الحاضرين وثنيهم عن الحديث أثناء الجلسة واستعمال الهواتف النقالة، ما يقلل من انتباه القضاة وتجدهم في بعض الأحيان مركزين على الجمهور يؤدون أدوار حراس الأمن.

وبحسب مجموعة من المحامين، فإن مسألة الاكتظاظ ناتجة عن عدم تشديد الحراسة عند المدخل، والسماح لكل من هب ودب الدخول إلى قاعات المحاكمة دون التوفر على استدعاء للحضور، مبرزين أن أغلب المتقاضين يصحبون معهم معارفهم وأبناء حيهم من أجل المؤازرة والتضامن، وهو ما ينتج عنه في كثير من الأحيان اصطدامات ومعارك بمحيط المحكمة.

جلسات مارثونية وقضايا مثيرة

نقاشات ساخنة تشهدها عادة القاعة رقم 3، وهي القاعة المخصصة للبت ابتدائيا في الملفات الجنائية، حيث تستقطب كل ثلاثاء وخميس جمهورا غفيرا من المواطنين والمصرحين، بعضهم يتكبد عناء السفر من مدن ومناطق بعيدة لمتابعة أطوار جلسات بعينها، خاصة التي يكون أبطالها متورطين في جنايات تكوين عصابات إجرامية والقتل والاغتصاب والاعتداء على المواطنين والسرقة الموصوفة…

ومن بين القضايا المثيرة التي شهدتها القاعة رقم 3، اعتقال أحد الشهود في قضية جنائية تتعلق بالقتل العمدي، التي راح ضحيتها شيخ سبعيني كان يعمل قيد حياته فقيها متطوعا بمسجد “القدس” بالقصر الكبير.

واعتقل الشاهد، الذي يبلغ من العمر 60 سنة ويعمل حارسا ليليا بالحي الذي وقعت به الجريمة، بعد أدائه اليمين القانونية وتراجعه عن تصريحاته المضمنة في محضر الضابطة القضائية والمدلى بها أمام قاضي التحقيق، التي أكد فيها مشاهدته أطوار الجريمة وتعرفه على الفاعل، إلا أنه نفى ذلك أمام الهيأة لتأمر باعتقاله وفقا للفصل 425 من القانون الجنائي ومتابعته بتهمة “شهادة الزور”.

مشاكل وإكراهات

تشهد قاعات الجلسات بمحكمة الاستئناف بطنجة، في مناسبات متعددة، احتجاجات لعدد من المحامين، بسبب عدم تقيد بعض القضاة بالمواعيد المحدد لانعقاد الجلسات، لا سيما بغرفتي الجنايات الأولى والثانية، ما يؤدي إلى ارتباك واضح لدى المتقاضين وعدم قدرة المحامين على التوفيق بين حضور جلسات أخرى للقيام بواجباتهم.

وذكر عدد من المحامين، الذين اتقت بهم “الصباح”، أن محاكم طنجة أصبحت تتأخر في عقد الجلسات بشكل كبير، وتصل مدة التأخير في بعض الجلسات إلى ساعتين كاملتين، ما يتسبب في إزعاج المحامين القادمين من دوائر قضائية أخرى، الذين يضطرون إلى انتظار.

وأفاد مصدر مسؤول من المحكمة ذاتها، أن سبب هذه التأخيرات ينحصر في تخلف السجناء عن الحضور إلى الجلسات في الموعد المحدد، معللا ذلك بوجود سيارتين فقط لنقل السجناء، الذين يفوق عددهم في بعض الأيام 200 معتقل، من بينهم نساء وقاصرين، بالإضافة إلى عدم وجود العدد الكافي من العناصر الأمنية المكلفة بالحراسات.

سيف المحكمة

لا مكان للعاطفة في قلب القاضي عبد اللطيف الغماري، رئيس غرفة الجنائيات الأولى بمحكمة الاستئناف، الذي يلقبه أغلبية المتقاضين بـ “شارون”، نظر لقوة شخصيته وصرامته في فرض القانون والاحترام داخل قاعة الجلسات، بالإضافة إلى قراراته القاسية والمشددة، التي تصل إلى الإعدام والمؤبد وعشرات السنين في حق المجرمين المتورطين في قضايا القتل العمد والاختطاف والاغتصاب والاعتداء على المواطنين…

فالقاضي الغماري لا يعرف الكلل أو الملل من مئات الملفات المعروضة أمامه، التي يديرها بحكمة واحترافية، إذ في الوقت الذي يبدو فيه التعب على محيا المتقاضين ودفاعهم لا يقوم برفع الجلسة، بل تجده يزداد حماسا بحثا عن الحقيقة لإحقاق العدالة وإصدار أحكام منصفة.

ومن خلال تتبعك للجلسات التي يترأسها القاضي الغماري، فلا بد أن يثير انتباهك الصمت المطبق داخل القاعة، نتيجة خوف الحضور من غضب القاضي، الذي لا يقبل بتاتا التشويش على السير العادي لجلسة المحاكمة، سواء بالهمس أو رنين الهاتف، إذ تجده يصرح بصوت عال ويوجه كلمات شديدة اللهجة للمخالفين، قد تصل في بعض الأحيان إلى طردهم من القاعة.

المختار الرمشي (الصباح)

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*