التحق جميع الأطفال بمؤسساتهم التعليمية في بداية هذه السنة الدراسية، بكل عزم وإصرار على تحقيق النجاح في مسارهم التعليمي. ومن بين هؤلاء الأطفال، يوجد أيضا تلاميذ مصابون بالتوحد تحدوهم نفس الإرادة والطموح على الرغم من وضعيتهم الخاصة.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن اضطرابات طيف التوحد (TSA) تشمل مجموعة من الاعتلالات المتنوعة التي تتصف ببعض الصعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل. ولهذه الاعتلالات سمات أخرى تتمثل في أنماط لا نموذجية من الأنشطة والسلوكيات مثل صعوبة الانتقال من نشاط إلى آخر والاستغراق في التفاصيل وردود الفعل غير الاعتيادية على الأحاسيس.
وتفيد تقديرات منظمة “Vaincre l’autisme” غير الحكومية، بأن ما يقرب من 680 ألف شخص في المغرب مصابون باضطرابات طيف التوحد، من بينهم أزيد من 216 ألف طفل. وهكذا، فإن 34 طفلا مصابا بهذا الاضطراب يولدون كل يوم في المملكة، بما مجموعه 12 ألف و800 ولادة كل سنة.
وبتصديقه على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة 1993، اعترف المغرب بحق كل الأطفال في التربية والتعليم، ولا سيما الأطفال في وضعية إعاقة (المواد 23 و28 و29). وانسجاما مع هذه الالتزامات، يؤكد الدستور الجديد للمملكة المغربية لفاتح يوليوز 2011 على حقوق وحريات الأشخاص في وضعية إعاقة، وهو ما يقتضي على المستوى التعليمي، إرساء نظام تربوي دامج.
ويدعو القانون الأسمى للمملكة في تصديره، إلى “حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون، أو المعتقد، أو الثقافة، أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي، أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان”.
وقبل عشر سنوات، كان هناك بالكاد ثلاثون قسما دامجا. أما اليوم، فيوجد أكثر من 600 قسم في المدارس الابتدائية، دون احتساب آلاف التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة المتمدرسين داخل الأقسام العادية.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس مصلحة التربية الدامجة بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط- سلا- القنيطرة، محمد سامي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المغرب حقق تقدما كبيرا في مجال إدماج الأطفال ذوي الإعاقة واندماجهم في المؤسسات التعليمية العمومية والخاصة.
وأبرز السيد سامي أنه خلال السنة الدراسية 2022-2021، التحق 5.170 تلميذا في وضعية إعاقة بصفوف المدرسة بجهة الرباط -سلا -القنيطرة، مقابل 2.048 تلميذا خلال السنة الدراسية 2017-2016.
وأضاف المسؤول أنه في الجهة نفسها، استقبلت 1.136 مؤسسة تعليمية تلاميذ في وضعية إعاقة خلال الموسم الدراسي 2022-2021، مقابل 623 فقط خلال السنة الدراسية 2017-2016.
وتابع السيد سامي أن الأطفال المصابين بالتوحد غالبا ما يُظهرون ذكاء كبيرا وقدرة مذهلة على التعلم والاستيعاب، مشيرا إلى أنه إذا تم تشخيص هذا الاضطراب في الوقت المناسب، فيمكن أن تخف حدته بسهولة مع مرور الوقت، شريطة أن يحظى الطفل بمتابعة جيدة.
غير أنه على الرغم من المكاسب الدستورية والقانونية، لا يزال اضطراب طيف التوحد غير معروف نسبيا في المؤسسات التعليمية. لذلك من الضروري تكوين وتوعية وتنوير الأساتذة والأطر التربوية حول خصوصية هذا المرض.
وفي هذا الإطار، كشف المسؤول التربوي أنه على مستوى الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط- سلا- القنيطرة، وخلال السنة الدراسية 2022-2021، استفاد 3571 إطارا تربويا من دورات تكوينية وحملة تحسيسية، فضلا عن أكثر من 100 مربية في التعليم الأولي الدامج وخمسين من مرافقات الحياة المدرسية، اللواتي “يضطلعن بدور أساسي في مرافقة الطفل التوحدي وتسهيل اندماجه في الوسط المدرسي”.
من جانبها، أكدت رئيسة جمعية “اليسرى” لدعم وإدماج الأطفال المصابين بالتوحد، نفيسة إدنادني، على الحاجة إلى تكفل متعدد التخصصات بالأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد وإلى تكييف البرامج التعليمية.
وسلّطت السيدة إدنادني الضوء على أهمية التشخيص المبكر للطفل المصاب بالتوحد، باعتباره الطريقة الوحيدة للحد من تطور هذا الاضطراب، داعية إلى الاعتماد بشكل أكبر على الأساليب السلوكية والطبية الحيوية.
وقالت إن الأطفال المصابين بالتوحد يتمتعون بذكاء واسع، ومن الواجب تحفيز نقاط القوة لديهم وضمان بيئة مدرسية مناسبة لهم، مشددة على أهمية وجود مدرسة دامجة للجميع.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يضطلع الآباء والأشخاص الآخرون الذين يصاحبون الطفل المصاب بالتوحد بدور مهم في دعمه. وبمقدورهم أن يساعدوا في ضمان إتاحة الخدمات الصحية والتعليمية للطفل، وأن يقدموا بيئات رعاية وتحفيز لدى نموه.