“الفتوة” أو الرجولة المزيفة.. آفة تتجذر بأحياء طنجة

“الفتوة” أو الرجولة المزيفة.. آفة تتجذر بأحياء طنجة

31 مايو, 2023

لا نغالي إذا قلنا أن طنجة قد ودعت فترة عصيبة عاشت خلالها المدينة على إيقاع جرائم مافيوزية شبيهة بتلك التي تحدث في مدن عالمية كنيويورك ونابولي وأمستردام موسكو… كالسطو المسلح على الأبناك والوكالات تجارية، والجرائم المرعبة التي استعمل في بعضها الرصاص الحي والأسلحة البيضاء بمختلف أنواعها وأحجامها، إلا أن ذلك لا يعني أبدا أنها تخلصت نهائيا من الخارجين عن القانون وسلوكياتهم الإجرامية المهددة لأمن وسلامة المواطنين، بل لازالت المدينة تئن تحت وطأة ما يسمى بـ “الفتوة” أو الرجولة المزيفة.

وشهدت عاصمة البوغاز، خلال السنوات الأخيرة، بروز ظاهرة لم تكن سائدة بالمنطقة الشمالية، حين بدأ بعض المنحرفين من جنس الذكور يستخدمون ضخامة أجسامهم وقوة عضلاتهم لفرض السيطرة والهيمنة بأحيائهم، خاصة الشعبية والهامشية، من أجل تحقيق مكاسب مادية إما عن طريق الاستحواذ على تجارة المخدرات ويبيع الخمور بدون ترخيص، أو الإشراف على لعب الورق وأخذ نصيب من الأرباح “الباراطو” من اللاعبين، أو فرض إتاوات على الباعة الجائلين وحراس السيارات بترهيبهم وعرقلة عملهم، أو أخذ هبات عينية ومالية من الفتيات والنساء، لاسيما اللواتي يعملن بالمصانع ويعدن إلى منازلهن في ساعات متأخرة من الليل.

ورغم أن هذه الظاهرة لازالت محصورة داخل أحياء بعينها، إلا أنها آخذة في التوسع وأصبحت تأخذ حيزا واسعا على صفحات التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”، عبر شرائط وصور وتعليقات غالبا ما تخلف قلقا واسعا وعدم الاطمئنان لدى سكان المدينة، إذ يتخوف جل المتتبعين للوضع الأمني بالمدينة من أن تصبح هذه الظاهرة غير متحكم فيها، وتساهم في تفريخ المجرمين وتصديرهم إلى مختلف  الأحياء لاستعراض عضلاتهم وممارسة سلوكياتهم الإجرامية المهددة لأمن وسلامة المواطنين.

ومن بين القضايا المثيرة، التي عرضت، أخيرا، على غرفة الجنايات الابتدائية الأولى بطنجة، قضية بطلها “فتوة” قتل على يد ثلاثة إخوة يتحدرون من مدينة فاس، ضاقوا درعا من جبروته واستبداده فبطشوا به، إلا الحكم جاء قاسيا في حقهم، ووصلت العقوبة إلى 80 سنة سجنا نافذا (30 سنة للشقيقين معاد وأمين و20 سنة لعبد الإله)، نظرا لعدم مراعاة المحكمة لظروف وملابسات ارتكاب الجريمة، التي استلزمتها ضرورة حالة الدفاع الشرعي عن نفس.  

وتعود تفاصيل القضية، إلى يوليوز الماضي (2022)، حين دخل الأشقاء الثلاثة، الذين كانوا يمتهنون حرفة بيع الخبز بالقرب من مسجد “كاسابراطا”، في نقاشات حادة مع الهالك، البالغ من العمر 28 سنة، حول اعتداءاته المتكررة على شقيقهم الأصغر، إلا أنه ثار في وجههم ودخل معهم في اشتباك عنيف استعملت فيه أسلحة بيضاء، ليقوم أحدهم بطعنه بواسطة سكين كان بحوزته، إلا أنه فارق الحياة متأثرا بجروحه.

وعلل الإخوة الثلاثة، الذين تتراوح أعمارهم بين  19 و28 سنة، جريمتهم بكونهم كانوا في حالة دفاع عن النفس يوم ارتكابهم للجريمة، حين تدخلوا لتخليص شقيقهم الأصغر من يد الهالك، الذي قام بالاعتداء عليه أمام المارة بعد أن رفض الانصياع لأوامره، وأكدوا أن الهالك كان قيد حياته يتفاخر بقوته بين سكان الحي ويفرض الجزية على التجار والمهنيين بالمنطقة، مبرزين أنهم تقدموا ضده بشاكية لدى المصالح الأمنية بعد أن أصبح يضايقهم بالفرن التقليدي الذي يشتغلون به، ويطالبهم بأداء 50 درهما بشكل يومي تحت طائلة التهديد، إلا السلطات الأمنية لم تعر أي اهتمام لجبروت المشتكى به.

قضية أخرى تسجد ظاهرة “الفتوة” بأحياء طنجة، وتتعلق بجريمة قتل تورط فيها عامل بملبنة تقع بحي الخربة وسط المدينة، الذي أقدم على فعلته بعد أن ظل الهالك قيد حياته يتهجم عليه داخل محله ويهينه أمام زبنائه ويفرض الجزية عليه تحت طائلة التهديد.

وبحسب ملف القضية، فإن الجاني (أحمد.و)، البالغ من العمر 30 سنة، قام بتسديده طعنة للضحية بواسطة سلاح أبيض، بعد أن ظل الهالك (عبد الغني.س)، يفرض عليه دفع مبلغ يومي تحت طائلة التهديد، ما أثار غضبه يوم الواقعة، حين امتنع “الفتوة” عن أداء واجب الفطور الذي تناوله، وعمد إلى تكسير الأواني وواجهة الملبنة أمام أعين الزبناء، وقام بطعنه بواسطة سلاح أبيض بعد أن تمادى في أفعاله، إلا أنه فارق الحياة قبل وصوله إلى المستشفى الجهوي بالمدينة.

وأمام تنامي ظاهرة “الفتوة” بمناطق الشمال، دق مختصون في القانون الجنائي، في لقاءات وندوات متعددة، ناقوس الخطر وأكدوا على ضرورة توفير مناخ أمني يندرج ضمن مخطط استراتيجي يهدف إلى تأهيل كل المناطق السوداء بالمدينة، التي تعد أوكارا للجريمة ومآو لمجهولي الهوية، وكذا الاعتناء بالشكايات التي تقدم إلى المصالح الأمنية، من أجل اتخاذ كل الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية اللازمة لاجتناب وقوع جريمة قبل حدوثها.

المختار الرمشي (الصباح)

التعليقات

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*