خلفت العديد من القرارات القضائية، التي أصدرتها محاكم جنائية بمدن الشمال ضد متهمين مختلين عقليا أو يعانون من اضطرابات نفسية، خاصة الذين ارتكبوا جرائم بشعة في حق الأصول أو أشخاصا أبرياء، (خلفت) جدلا واسعا في أوساط الحقوقيين ونقاشات واسعة بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين شددوا على ضرورة إعادة النظر في طريقة التعامل مع مثل هذه القضايا الشائكة.
وطرح اختلاف القرارات القضائية الصادرة في حق هذه الفئة من المجرمين، عدة تساؤلات حول سبب التباين في مدد العقوبات الحبسية، التي تأتي أحيانا مخففة وأحيانا أخرى مشددة تصل إلى الإعدام أو المؤبد، بالرغم من أنها متشابهة إلى حد كبير في ظروفها وملتبساتها المدونة بمحاضر الضابطة القضائية وبأوراق قضاة التحقيق، وتكون معززة بشواهد طبية تثبت أن الجاني مختلا عقليا أو يعاني من اضطرابات نفسية.
وانتقد عدد من الحقوقيين بشدة أحكاما قاسية أصدرها قضاء الموضوع في حق متهمين اقترفوا جرائم ينعدم فيها القصد الجنائي، لأنها ارتكبت دون إدراك وتحت تأثيرات خارجية، في حين متع آخرون بظروف التخفيف ووضعوا تحت المراقبة القضائية بالمؤسسات الصحية الخاصة بعلاج الأمراض العقلية والنفسية رغم أن الوقائع المتشابهة.
المؤبد لـ “مختل عقلي” بتطوان
من بين الأحكام العديدة التي أثارت جدلا واسعا نذكر وقائع جريمة مسجد الأندلس بحي الملاح في تطوان، التي ارتكبها مختل عقلي بعد أن اقتحم المسجد وقت صلاة الفجر، وأقدم دون سابق أنظار على توجيه طعنات للمصلين بواسطة سلاح أبيض من الحجم الكبير (سيف)، مخلفا وراءه مقتل شخصين، أحدهما إمام المسجد، الذي يبلغ من العمر 62 سنة، وإصابة أربعة آخرين بجروح خطيرة، وضع اثنان منهما بغرفة العناية المركزة إلى حين أن استعادا صحتهما.
وبعد إلقاء القبض على المعتدي، المعروف بتردده على مستشفى الأمراض العقلية بالمدينة من أجل العلاج، تم الاحتفاظ به رهن الاعتقال الاحتياطي على ذمة التحقيق، وجرى عرضه على الخبرة الطبية من أجل التأكد من سلامته العقلية لتحديد مسؤوليته عن الجريمة التي اقترفها في حق المصلين، حيث أكدت نتائج الخبرة أن المتهم “مختل عقليا” إلا أن غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافة تطوان حكمت عليه بالإعدام، قبل أن تحول الغرفة الاستئنافية بالمحكمة ذاتها الحكم إلى المؤبد.
10 سنوات لقاتل شقيقه بطنجة
قضية أخرى مثيرة جرت وقائعها بحي الزياتن بطنجة، حين أقدم شاب يعاني من أزمة نفسية حادة على قتل شقيقه باستعمال السلاح الأبيض قرب أسواق السلام بالمدينة، وقررت هيأة الجنايات الأولى بالاستئنافية المدينة إدانته بعشر سنوات سجنا نافذا، مع الأمر بإحالته على مستشفى للأمراض العقلية والنفسية.
وقررت الهيأة تمتيع المتهم بظروف التخفيف، بعد اقتناعها بالإعاقة الذهنية للمتهم اعتمادا على الخبرة الطبية التي أجريت له، وعلى دفوعات هيئة الدفاع وأقوال الشهود التي صبت كلها في نفس الاتجاه، بالإضافة إلى التنازل الخطي الذي تقدمت به والدة الشقيقين (المتهم والقتيل)، وتأكيدها أمام الهيأة أنها تدرك جيدا أن ابنها لم يكن واعيا حين قام بفعلته استجابة لأوامر خفِية تسيطر عليه.
ولم تستوعب هيأة الحكم ما وصل إلى مسامعها من تبريرات قدمها المتهم، البالغ من العمر 27 سنة، الذي ردد عدة مرات بأنه أقدم على تصفية شقيقه تلبية لرغبة “الشيطان”، الذي أمره بضرورة قتل أخيه حتى يغفر الله له ذنوبه ويدخله الجنة، ما دفعه إلى الإسراع بتنفيذ الأمر ووجه طعنات قاتلة إلى شقيقه بواسطة سكين، وهي تبريرات دفعت بممثل النيابة العامة إلى المطالبة بإحالة المتهم على مستشفى الأمراض العقلية لإخضاعه للعلاج، بينما التمس دفاعه تمتيع موكله بأقصى ظروف التخفيف، نظرا إلى معاناته وعدم مسؤوليته الجنائية عن الأفعال الجرمية المرتكبة.
المؤبد لقاتل والده بالعرائش
ومن الملفات التي عرفت جدلا بين المحكمة وهيأة الدفاع، ملف جنائي يتابع فيه شاب بقتل والده بضواحي مدينة العرائش، الذي قررت في حقه هيأة الحكم حرمانه من ظروف التخفيف وحكمت عليه بالحبس المؤبد، بعد أن واجهته بتهمة “القتل العمد في حق الأصول”.
وعرف هذا الملف تجاذبا بين الهيأة الحكم ومؤازر المتهم، الذي أكد أن موكله يعاني من مرض نفسي مزمن، وارتكب فعلته خارج الإرادة أو السيطرة، ملتمسا بإجراء بحث تكميلي وعرض موكله على طبيب اختصاصي في أمراض النفسية لإعداد تقرير حول قدراته العقلية، إلا أن الهيأة رفضت الملتمس وقررت إدخال الملف إلى المداولة لتصدر بعدها حكما بالمؤبد.
الرمشي المختار (الصباح)