خاضت طنجة، كباقي مدن المملكة، معركة شرسة لمكافحة انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، امتدت لحوالي ثلاثة أشهر، أبان خلالها سكان المدينة عن حسهم الوطني والتزامهم الجماعي بالتدابير الوقائية والصحية، التي أقرتها السلطات المحلية مدعومة بجهود كل من المجلس الجماعي والصحة ومصالح الأمن والمجتمع المدني والسياسي بكل أطيافه ومكوناته المتعددة، ما مكن المدينة من تجاوز هذه المرحلة الصعبة، لتفتح أبوابها من جديد أمام عشاقها للتمتع بشواطئها الساحرة وهدوء لياليها الشاعرية، التي تستهوي العديد من مشاهير السياسة والاقتصاد والفن والأدب…
وتفاجأ سكان عاصمة البوغاز، عند إعلان السلطات المحلية عن الرفع الجزئي للقيود المفروضة في إطار حالة الطوارئ الصحية، وخروجهم إلى شوارع المدينة ومنتزهاتها العمومية، (تفاجأوا) بالحلة الجديدة التي أضحت عليها مدينة البحرين، إثر رصف وتطوير عدد من شوارعها وطرقاتها، وإضفاء لمسات جمالية على حدائقها وساحاتها العمومية، ما بث الروح فيها وأضفى عليها إطلالة أوروبية تليق بتاريخ هذه المدينة الساحلية العريقة.
فخلال ثلاثة أشهر من الحجر الصحي، حين توقفت حركة العديد من القطاعات الحيوية بكل بقاع العالم، أصرت الجهات المسؤولة بالمدينة على المضي قدما وفتحت أورشا ومشاريع تنموية هامة لإبراز رونق المدينة والترويج لها سياحيا، استعدادا لفترة ما بعد “كورونا”، وهو ما فتح الأمل أمام أصحاب المشاريع السياحية وتجار المدينة، الذين بادروا بدورهم إلى إعداد برامج متكاملة وشاملة لاستقبال زبناء المدينة الأوفياء، وتوفير الظروف المواتية لهم للتمتع بمؤهلات المنطقة ومميزاتها الطبيعية والحضارية الممزوجة بنكهة مجتمعية مضيافة.
وركزت السلطات المحلية على المشاريع السياحية والثقافية بالدرجة الأولى، واهتمت بتأهيل البنيات التحتية وتحسين جمالية الفضاء العام والمساحات الخضراء، وكذا الواجهات العمرانية المصنفة ضمن التراث المادي للمدينة، بالإضافة إلى أعمال الرصف والصيانة وتجديد بعض أعمدة الإنارة وتثبيت كاميرات للمراقبة بأهم شوارع المدينة، مع وضع خطة استعجالية وتصورات مقرونة بخطوات إجرائية، تمت بمشاورة مختلف الفاعلين والمهنيين، الذين انخرطوا دون شروط في تعبئة شاملة من أجل إبراز مؤهلات المدينة السياحية والطبيعية عبر حملات دعائية على منصات التواصل الاجتماعي، وأكدوا استعدادهم لإجراء تخفيضات تشجيعية لتحفيز السياحة الداخلية، التي تشكل، بالنسبة لهم، رافدا أساسيا وعاملا مؤثرا في دوران عجلة الاقتصاد المحلي.
ساحة إسبانيا.. تراث إنساني متميز
تعد ساحة إسبانية، البوابة الرئيسة لميناء طنجة المدينة، معلمة تاريخية وذاكرة جماعية توحي بفترة عظيمة عاشتها مدينة البوغاز، وهي واحدة من بين الساحات والواجهات العمرانية المصنفة ضمن التراث المادي للمدينة، التي شملتها رياح الإصلاح والترميم، وخضعت لأشغال كبرى تبعا للمشروع الملكي، الذي انطلق منذ سنوات من أجل تأهيل المدينة العتيقة المطلة على الساحة والميناء الترفيهي المجاور لها.
وخضع هذا الفضاء التاريخي، الذي تأثرت أنشطته التجارية والخدماتية سلبيا جراء إغلاق محطة القطار القديمة ونقل جل الخدمات البحرية إلى الميناء المتوسطي، لأشغال همت توسعة الطرق وتكسيتها وإصلاح الأرصفة والإنارة دون المساس بالطبقات الأركيولوجية تحت الأرضية، مع وضع كراسي لاستراحة المتنزهين والعابرين المغاربة والأجانب عند وصولهم للمدينة عبر البواخر السريعة والعابرات السياحية، وهي أشغال ستعيد للساحة دون شك قيمتها التاريخية ورونقها الذي افتقدته لسنوات طويلة، وستساهم في دعم الحركة السياحية بالمدينة.
كورنيش مرقالة.. ثروة سياحية
من بين الفضاءات العمومية التي استفادت من إعادة الترميم والإصلاح، نجد “كورنيش مرقالة”، الذي لا يبعد إلا بخطوات قليلة عن ساحة إسبانيا ويطل على الساحل المتوسطي الجميل، حيث عززت بنيته التحتية بعدد من التجهيزات والكاميرات التي من شأنها أن توفر ظروف الأمن والسلامة اللازمتين لعشاق ومحبي الأنشطة الرياضية والترفيهية، الذين تغص بهم جنبات الكورنيش صباحا ومساء، مع إنشاء مساحات خضراء ومسارات للرياضة والمشي على طول الكورنيش، بالإضافة إلى تحسين صورة التل المطل عليه من جهة حي الحافة، وغرسه بورود ساهمت في إضفاء صورة أكثر جمالية على المناظر الطبيعية المتواجدة به.
ساحة “بلاصا طورو”.. معلمة وطنية
خلفت أشغال ترميم ساحة الثيران المعروفة عند الطنجاويين بـ “بلاصا طورو”، بهجة وسعادة لا مثيل لهما لدى أهل المدينة وعشاقها، لاسيما أنه لا أحدا كان ينتظر أن يهتم المسؤولون بهذه المعلمة، التي افتتحت في غشت 1950 وأعلنت الحكومة المغربية في عام 2016 أنها “معلمة وطنية”، حيث خصص المجلس الجماعي ميزانية تقدر بـ 20 مليون درهم لإجراء الإصلاحات اللازمة، التي تجمع بين الاستخدامات الثقافية والتجارية للمراهنة على المعلمة في الترويج السياحي، وذلك على غرار الاستخدامات التي اعتمدها الإسبان في ساحات مماثلة بمدينة برشلونة، بعد حظر البرلمان الكاتالوني مصارعة الثيران في عام 2010.
حدائق “فيلا هاريس”.. فضاء للكبار والصغار
التجول في “حدائق “فيلا هريس” لا يقل متعة عن التجول بالحدائق الاسبانية المشهورة، نظرا لما تتمتع به من مرافق وفضاءات طبيعية جذابة، إذ تم أخيرا تعزيز بنيتها التحتية وتوسيع مساحتها وغرسها بالأشجار والزهور الملونة الزاهية، بالإضافة إلى تهيئة موقف كبير للسيارات ومسارات لرواد المنتزه، وكذا إقامة ملاعب وفضاءات ترفيهية للأطفال، مع إحداث مرافق صحية مجهزة، ناهيك عن مطعم يقدم أشهى الأطعمة ومقهى لاحتساء فنجان من القهوة أو الشاي الأخضر، وهي الأشغال التي خضعت لدراسات مسبقة تم تنفيذها من طرف طاقم من المهندسين والتقنيين تحت إشراف المسؤولين القطاعيين المعنيين، ما جعل من هذه الحديقة العمومية فضاء رائعا يستهوي عشاق الطبيعة ويستمتع فيه الكبار والصغار.
قصر الفنون.. في خدمة التنمية المحلية
تستعد مدينة البحرين، خلال الأسابيع القادمة، لافتتاح قصر الثقافة والفنون، الذي أُنجز على مساحة تبلغ 24 ألف متر مربع وكلف ميزانية فاقت 210 مليون درهم، بعد أن استغرق إنجازه حوالي ثلاثة سنوات، بما فيها فترة الحجر الصحي، وأصبح حاليا جاهزا لدعم الموروث الفني المحلي وإثراء الغنى الثقافي الذي تزخر به المدينة، وبالتالي الإسهام في تعزيز التنمية المحلية.
وسيوفر فضاء “قصر الفنون” بطنجة، الذي أنجز في إطار المشاريع الملكية الهادفة للارتقاء الثقافي بالجهة وتعزيز قدرتها التنافسية على جذب السياح، مرافق فنية عديدة تطل أغلبها على شاطئ “مالاباطا”، من بينها مسرح كبير تبلغ سعته 1400 مقعد، وقاعتين للعروض سعة كل واحدة منهما 200 مقعد، وقاعات أخرى أصغر حجما للرقص والتكوين في مجالات مختلفة، منها الحلاقة والخياطة… بالإضافة إلى استوديو للتسجيل ومرافق من شأنها أن ترضي الحاجيات الثقافية المتزايدة لسكان المدينة.
المختار الرمشي (الصباح)